- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مساوئ الأخلاق
حين مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام (وهو ما جمع بعضه فوق بعض بلا كيل ولا وزن)، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا. فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني". (مسلم).
قال الخطابي: (معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا، يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته، فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي). وقال القاضي عياض: (معناه بين في التحذير من غش المسلمين، لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم).
وقال العظيم آبادي: (والحديث دليل على تحريم الغش، وهو مجمع عليه).
وقال الغزالي: (يدل على تحريم الغش...).
ولقد ذم الله عز وجل الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، فقال تعالى: { ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } (المطففين:1-3).
كما أخبر سبحانه وتعالى عن عباده المؤمنين أنهم يدعونه: {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} (الحشر: 10).
وقد ذكر بعض المفسرين أن في الغل وجهين: أحدهما: الغش.
وقال الواحدي، وذكره البغوي أيضا: (أي: غشا وحسدا وبغضا).
وقال تعالى مخبرا عن أهل الجنة: {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار} (الأعراف:43).
قال السمعاني: (الغل: الغش والحقد).
وقال مقاتل: (يعني ما كان في الدنيا في قلوبهم من غش، يعني بعضهم لبعض).
وقال البغوي: (من غش وعداوة كانت بينهم في الدنيا).
الغش من صفات المنافقين
فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مبينا حال المنافقين: {ولا تزال تطلع على خآئنة منهم} (المائدة: 13).
قال الواحدي: (أي: على خيانة، قال مقاتل: يعني بالخيانة: الغش للنبي صلى الله عليه وسلم).
ومثل هذا لا ينبغي أن يصاحب، بل الأمر معه كما قال القائل:
وصاحب غير مأمون غوائله يبدي لي النصح منه وهو مشتمل
على خلاف الذي يبدي ويظهره وقد أحطت بعلمي أنه دغل
عفوت عنه انتظارا أن يثوب له عقل إليه من الزلات ينتقل
دهرا فلما بدا لي أن شيمته غش وليس له عن ذاك منتقل
تركته ترك قال لا رجوع له إلى مودته ما حنت الإبل
الغش في البيع
من أشهر أنواع الغش ما يكون في البيع والشراء، قال ابن حجر رحمه الله: (الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع ومشتر فيها شيئا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى شاة مصراة (هي التي حبس اللبن في ضرعها) فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعا من طعام...". (مسلم) .
قال ابن عبد البر: (وهذا الحديث أصل في النهي عن الغش، وأصل فيمن دلس عليه بعيب، أو وجد عيبا بما ابتاعه، أنه بالخيار في الاستمساك أو الرد).
وقال الأمير الصنعاني: (الحديث أصل في النهي عن الغش، وفي ثبوت الخيار لمن دلس عليه).
فيا معشر التجار إياكم والغش فإن البركة في الصدق والأمانة: "فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما". وإن ذهاب البركة في الغش والكتمان والخديعة: "وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
ولأن الغش وقلة الأمانة في التجارة كثير فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق الأمين بالجنة، ففي الحديث: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".
غش الرعية
عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته؛ إلا حرم الله عليه الجنة".(مسلم) .
قال النووي: (قال القاضي عياض رحمه الله: معناه: بين في التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده، إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه، من حفظ شرائعهم، والذب عنها...أو تضييع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة من الجنة).
وقال المناوي: (وأفاد التحذير من غش الرعية لمن قلد شيئا من أمرهم؛ فإذا لم ينصح فيما قلد، أو أهمل فلم يقم بإقامة الحدود، واستخلاص الحقوق، وحماية البيضة، ومجاهدة العدو، وحفظ الشريعة، ورد المبتدعة والخوارج؛ فهو داخل في هذا الوعيد الشديد المفيد: لكون ذلك من أكبر الكبائر المبعدة عن الجنة، وأفاد بقوله يوم يموت، أن التوبة قبل حالة الموت مفيدة).
وقال الشيخ ابن عثيمين: (فيه التحذير من غش الرعية، وأنه ما من عبد يسترعيه الله على رعيته ثم يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، وأنه إذا لم يحطهم بنصيحته فإنه لا يدخل معهم الجنة).
الغش في النصيحة
من المستقر عند أولي البصائر أن المستشار مؤتمن، وأن المؤمنين نصحة، أي ينصحون ولا يغشون.
كان جرير بن عبد الله رضي الله عنه إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها ثم خير المشتري، وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل له: إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (لا يزال الرجل يزداد في صحة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشه سلبه الله نصحه ورأيه).
شيوع الغش سبب تسلط الظالمين والكفار
عندما تكلم ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن بعض أنواع الغش وانتشارها قال: (وكثرة ذلك تدل على فساد الزمان وقرب الساعة، وفساد الأموال والمعاملات، ونزع البركات من المتاجر والبياعات والزراعات، بل ومن الأراضي المزروعات...ولهذه القبائح التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والصنائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألوانا، وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب وأخذ الأموال والحريم إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة المتنوعة وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتخيلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم، ولا يخشون سطوة عقابه ومقته، مع أنه تعالى عليهم بالمرصاد: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (غافر: 19) و {يعلم السر وأخفى} (طه: 7 ) {ألا يعلم من خلق} (الملك: 14).
ولو تأمل الغشاش الخائن الآكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه...).
وأخيرا هذه نصيحة العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (ويجتنب الغش في جميع المعاملات، من بيع، وإجارة وصناعة، ورهن، وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات؛ فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فقال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، وفي لفظ: "من غش فليس مني"، والغش: خديعة، وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام، لا يزيد صاحبه إلا بعدا من الله).