- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:نظائر قرآنية
من النظائر القرآنية تستوقفنا الآيات الأربع التالية:
الآية الأولى: {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (الأنعام:117).
الآية الثانية: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل:125).
الآية الثالثة: {ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} (النجم:30).
الآية الرابعة: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (القلم:7).
يلاحظ في هذه الآيات أمران: الأول: دخول حرف الجر الباء على الاسم الموصول (من) = {بمن} في آية النحل والنجم والقلم، وخلوه منه في آية الأنعام = {من}. الأمر الثاني: مجيء الفعل بصيغة المضارع في آية الأنعام = {يضل} ومجيئه في الآيات الثلاث الأخر بصيغة الماضي = {ضل} فما وجه ذلك؟
وجه الإسكافي هذين الفرقين بما حاصله: إن مكان كل واحد يقتضي ما وقع فيه، وبين اللفظين فرق في المعنى يوجب اختصاص اللفظ الذي جاء له بمكانه؛ فقوله سبحانه في آية الأنعام: {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله} معناه: الله أعلم أي المأمورين يضل عن سبيله، أزيد أم عمرو؟ وهذا المعنى يقتضيه ما تقدم هذه الآية وما جاء بعدها مما تعلق بها، فالذي قبلها قوله عز وجل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} (الأنعام:116) أي: إن تطع الكفار يضلوك عن طاعة الله وعبادته، ثم أخبر أنه يعلم من الذين يغوونه ويضلونه، ومن الذين لا يتمكنون من إضلاله؟ وبعد هذه الآية جاء قوله تعالى: {وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين} (الأنعام:119).
وأما قوله سبحانه: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} فمعناه غير معنى الآية الأولى؛ إذ المعنى: الله أعلم بأحوال من ضل، كيف كان ابتداء ضلاله، وما يكون من مآله! أيصر على باطله، أم يرجع عنه إلى حقه، وقبلها: {فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون} (القلم:5-6). فمن جعل {المفتون} كالمعقول بمعنى العقل، كان معناه فستعلم ويعلمون، بك أو بهم الفتون، وخبال العقل وفساد الرأي؟
ومن جعل {المفتون} المبتلى بفساد التمييز، كان كما يقال: في أي الفرقتين المجنون؟ أفي فرقة الإسلام، أم في فرقة الكفر؟ و(الباء) تقارب معنى (في) كما يقال: فيه عيب، وبه عيب، فينوب كل واحد من الحرفين مناب الآخر في أداء المعنى.
ويجوز أن تكون الباء بمعناها على ما يقال: فلان بالله وبك أي: ثباته به وبك، فيكون المعنى: ستعلم بأي الطائفتين ثبات الجنون ودوام الفتون.
وإذا كان مدار الكلام على أنه سيبصر بأيكم الخبال والجنون، كان قوله تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} أي: الله أعلم بي وبكم، وبالمخبل والمجنون مني ومنكم. وإذ قال: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} أي: هو أعلم بابتداء ضلاله، وانتهاء أمره، وهل يقيم على كفره، أم يقلع عن غية لرشده.
أما ابن الزبير الغرناطي فقد وجه الفرق بما حاصله: أن سقوط (الباء) الداخلة على (من) في آية الأنعام إنما كان ذلك لاستثقال زيادتها مع الزيادة اللازمة للفعل المضارع {يضل} مع التقارب؛ إيثارا للإيجاز، أما آيات النحل والنجم والقلم فلا زيادة في الفعل لكونه ماضيا، فزيدت (باء) التأكيد الداخلة على (من) ويشهد لهذا اطراد زيادتها في الآيات الثلاث؛ لورود الماضي فيها بخلاف آية الأنعام.
أما مجيء الفعل بصيغة المضارع في آية الأنعام ومجيئه بصيغة الماضي في الآيات الأخر، فوجهه أن آية الأنعام قد اكتنفها من غير الماضي من الأفعال، والإعلام بما يكون قطعيا، أو يتوقع في المآل ما يقتضى المناسبة في النظم، ولو ورد غير الماضي لما ناسب، فأما آية النجم فمبنية على مطلع السورة فى قوله تعالى: {والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى} (1-2) فقال تعالى مشيرا إلى حالهم: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} فبرأ نبيه صلى الله عليه وسلم مما نسبوا إليه، وأثبت ذلك بكناية وتعريض، أوقع فى نفوسهم من الإفصاح بتعيينهم. وأما آية القلم فإنه لما تقدم فيها قوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} (القلم:2) وقوله تعالى: {فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون} (5-6) تهديدا لهم، وتعريفا بكذبهم فى قولهم حين نسبوه إلى الجنون، أعقب ذلك بقوله تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} فسجلت هذه الكناية ضلالهم وكذبهم، وتناسب هذا كله أوضح تناسب.
ووجه الكرماني الفرق بين الآيتين بأن إثبات (الباء) هو الأصل كما في سورة (القلم) وغيرها من السور؛ لأن المعنى لا يعمل في المفعول به، فنوى (الباء) وحيث حذفت أضمر فعل يعمل فيما بعده، وخصت سورة الأنعام بالحذف موافقة لقوله سبحانه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام:124) وعدل في آية الأنعام إلى لفظ المستقبل؛ لأن (الباء) لما حذفت التبس اللفظ بالإضافة -تعالى الله عن ذلك- فنبه بلفظ المستقبل على قطع الإضافة؛ لأن أكثر ما يستعمل لفظ (أفعل) مع الماضي، نحو أعلم من دب ودرج، وأحسن من قام وقعد، وأفضل من حج واعتمر، ولو قال: أعلم من ضل بدون (الياء) مع الماضي، لكان المعنى: أعلم الضالين، وفي هذا فساد المعنى، وابتعاد عن المراد.
واقتصر ابن جماعة في توجيه الفرق بين آية الأنعام والآيات الثلاث الأخر على ما يتعلق بمجيء الفعل بصيغة المضارع في آية الأنعام، ومجيء الفعل بصيغة الماضي في الآيات الأخر، فقال: لما تقدم في سورة الأنعام قوله عز وجل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} (الأنعام:116) وتأخر قوله سبحانه: {وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم} (الأنعام:119) ناسب {من يضل عن سبيله} وبقية الآيات إخبار عمن سبق منه الضلال، فناسب الفعل الماضي {بمن ضل عن سبيله}.