الاهْتِمام النبويّ بالعِلم

0 356

العلم نور للعقول، وضياء للمجتمعات، والإسلام دين العلم، فأول آية نزلت من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم تأمر بالقراءة، وفي ذلك إشادة بالعلم وفضله، وبيان لقيمته ومنزلته في الإسلام، قال الله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}(العلق:1 ـ 5). وللعلماء في الإسلام منزلة كبيرة، قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}(المجادلة:11). ولأهمية العلم أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يطلب المزيد منه، فقال تعالى: {وقل رب زدني علما}(طه:114). وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال: "اللهم رب زدني علما وإيمانا ويقينا".

وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على السعي في طلب العلم النافع، لما فيه من إقامة للدين، وإعمار الأرض، وبين فضل العلم، ومنزلة العالم وطالب العلم، بل وجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم. والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على ذلك، ومنها:

1 ـ عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه أبو داود وصححه الألباني.
(وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم) قال الخطابي: "يحتمل ثلاثة معاني: الأول: أنه بسط الأجنحة. الثاني: أنه بمعنى التواضع تعظيما لطالب العلم.. الثالث: أن المراد به النزول عند مجالس العلماء وترك الطيران".

2 ـ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني.
قال الطيبي: "الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الغير الدعاء وطلب الخير".

3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.

4 ـ عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (أتيت النبي وهو في المسجد متكيء على برد له أحمر، فقلت له: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم، فقال: مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة وتظله بأجنحتها) رواه الطبراني وحسنه الألباني.

5 ـ روى أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أن رجلا أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصابه احتلام فأمر بالاغتسال فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه (أي تسببوا بقتله حين أفتوه بجهل) قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال). وفي رواية: (فإنما شفاء العي السؤال). أي: لا شفاء لداء الجهل إلا بالعلم والتعلم، قال ابن القيم: "فدعا عليهم لما أفتوا بغير علم".

6 ـ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
قال المناوي في "فيض القدير": "قد ‏تباينت الأقوال وتناقضت الآراء في هذا المفروض في نحو عشرين قولا، وكل فرقة تقيم ‏الأدلة على علمها، وكل لكل معارض، وبعض لبعض مناقض، وأجود ما قيل قول ‏القاضي: ما لا مندوحة عن تعلمه كمعرفة الصانع (الله عز وجل) ونبوة رسله، وكيفية ‏الصلاة ونحوها، فإن تعلمه فرض عين". وقال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله": "قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع".

للعلم منزلته في بناء الأفراد والمجتمعات، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على العلم وبيان فضله ومنزلة العلماء وطلاب العلم كثيرة، ومما لا شك فيه أن هذا الفضل للعلم والمتعلمين يشمل عامة المسلمين، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، إذ الخطاب النبوي شامل للجميع، وهذا الفضل لا يختص بالعلم الشرعي فحسب، بل إن هذا الفضل يتفاوت ويمتد إلى كل علم يعود على المسلم والمجتمع والأمة بالهداية إلى الحق والرشاد، والقوة في مواجهة الأعداء، والنفع في أمور الدنيا والآخرة، ما لم يتعارض مع مقاصد الإسلام وشريعته، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: "قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به) هل المراد به العلم الشرعي أم العلم الدنيوي؟ فأجاب: الظاهر أن الحديث عام، كل علم ينتفع به فإنه يحصل له الأجر، لكن على رأسها وقمتها العلم الشرعي". والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع. ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع) رواه النسائي وصححه الألباني.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة