ثمرات الإيمان بالملائكة

0 942

الملائكة خلق من خلق الله تعالى، وعباد مكرمون من عباده، لا يوصوفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يعلم عددهم إلا الله. والملائكة منهم الموكلون بالوحي، والموكلون بالموت، والموكلون بالأرحام، والموكلون بالجنة، والموكلون بالنار، والموكلون بغير ذلك، وكلهم مستسلمون منقادون لأمر الله عز وجل، قال الله تعالى عنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(التحريم:6). وقد خلق الله تعالى الملائكة من نور، كما خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم (يعني من الطين)) رواه مسلم. قال ابن عثيمين: "فذكر صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقوا من النور، ولذلك كانوا كلهم خيرا، لا يعصون الله ولا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فالملائكة خلقوا من نور". وقال ابن الجوزي: "وقوله: (مما وصف لكم) يشير إلى المذكور من صفات آدم في القرآن بأنه خلق من طين، وشرح أحوال الطين بأنه من صلصال كالفخار".

والإيمان والاعتقاد الجازم بوجود الملائكة وأنهم من خلق الله سبحانه، هو الركن الثاني من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بوجودهم، وبما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة من صفاتهم وأفعالهم، قال الله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله}(البقرة:285). وقد حكم الله عز وجل بالكفر على من أنكر وجود الملائكة، ولم يؤمن بهم، فقال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}(النساء:136). قال الطبري:"ومعناه: ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله، لأن جحود شيء من ذلك بمعنى جحود جميعه، ولأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به، والكفر بشيء منه كفر بجميعه"، وقال السعدي: "واعلم أن الكفر بشيء من هذه المذكورات كالكفر بجميعها، لتلازمها وامتناع وجود الإيمان ببعضها دون بعض". وفي حديث جبريل المشهور، قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) رواه مسلم.

والإيمان بالملائكة له الكثير من الفوائد والثمرات، ومن ذلك:

ـ محبتهم وعدم إيذائهم:
الإيمان بالملائكة عليهم السلام يوجب محبتهم وإجلالهم، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ويسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولذا فإن سبهم والاستهزاء بهم ـ أو الاستهزاء بواحد منهم ـ لا يجتمع مع حبهم وإجلالهم وإكرامهم، وهو صورة من عداوتهم، وإن كان المستهزئ بهم مقرا بوجودهم، قال الله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}(البقرة:98)، قال ابن كثير: "يقول تعالى من عاداني وملائكتي ورسلي، ورسله تشمل رسله من الملائكة، كما قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}(الحج:75). {وجبريل وميكال} وهذا من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة، ثم عموم الرسل، ثم خصصا بالذكر، لأن السياق في الانتصار لجبريل وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ، لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكائيل وليهم، فأعلمهم أنه من عادى واحدا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضا". وقال القرطبي: "وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام، وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم. وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته، ومعادات أوليائه. وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه. فإن قيل: لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر، وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما؟ قيل له: خصهما بالذكر تشريفا لهما، كما قال: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}(الرحمن:68). وقيل: خصا لأن اليهود ذكروهما، ونزلت الآية بسببهما، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود: إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص".
وقال ابن حزم: "صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو نبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر". وقال القاضي عياض: "وحكم من سب سائر أنبياء الله تعالى، وملائكته، واستخف بهم، أو كذبهم فيما أتوا به، أو أنكرهم وجحدهم، حكم نبينا صلى الله عليه وسلم".
والإيمان بالملائكة وحبهم يترتب عليه الابتعاد عن الأشياء التي تؤذيهم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال: من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس) رواه مسلم. ومما ينبغي إكرام الملائكة به: إبعاد الصور المحرمة والكلاب عن البيوت، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري. قال النووي: "قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة، كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطانا، كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهي عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له.. وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة، فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت، ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها، قال الخطابي: وإنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه".

ـ ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: الإيمان بعظمة الله تعالى، وكمال قدرته وحكمته في خلق الملائكة، وهذه الثمرة من أعظم الثمار، لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق سبحانه، فخلق الملائكة الكرام من نور، وأولي أجنحة، يوحي بعظمة الخالق عز وجل، وأنه على كل شيء قدير، قال الله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}(فاطر:1). قال ابن كثير: "قوله: {جاعل الملائكة رسلا} أي: بينه وبين أنبيائه، {أولي أجنحة} أي: يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا {مثنى وثلاث ورباع} أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك، كما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، ولهذا قال: {يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}. قال السدي: يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء".

-
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: التشبه بهم في طاعتهم لله تعالى، وحسن عبادتهم ودوام ذكرهم له سبحانه، فمن المعلوم أن الملائكة قائمة لله عز وجل بالعبادة والطاعة، لا يفترون ولا يملون عن عبادته، قال الله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون}(الصافات:164-166)، قال الطبري: "يقول تعالى مخبرا عن ملائكته: {وإنا لنحن الصافون} لله لعبادته، {وإنا لنحن المسبحون} له، يعني بذلك المصلون له"، وقال القرطبي: "أي مكان معلوم في العبادة.. وقال ابن عباس: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي سبح. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم). وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت (أصدرت صوتا) السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله)". وقال الله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}(الأعراف: 206)، قال ابن كثير: "وإنما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله، عز وجل، كما جاء في الحديث: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف)".
- ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: الطمع في استجابة الله تعالى لدعائهم واستغفارهم للمؤمن الطائع لربه، والأخذ بأسباب ذلك من التحقق بالإيمان والمسارعة إلى الطاعة والعبادة، والاشتغال بالذكر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الملائكة تصلي على أحدكم (تستغفر له) ما دام في مصلاه، ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) رواه البخاري. قال ابن بطال: "قوله عليه الصلاة والسلام: (الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه)، تفسير لقوله تعالى: {ويستغفرون للذين آمنوا}(غافر:7)، يريد المصلين، والمنتظرين للصلاة، ويدخل في ذلك من أشبههم في المعنى، ممن حبس نفسه على أفعال البر كلها، والله أعلم. قال المهلب: فالصلاة من الملائكة استغفار ودعاء، وهى من الله رحمة"، وقال القرطبي: "ومعنى تصلي على أحدكم يريد تدعو له وتترحم عليه.. ولو قعدت المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت الصلاة الأخرى فتقوم إليها لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصلاة".

المسلم يؤمن بالملائكة ويحبهم، ولا يفرق بين ملك وملك، لأنهم جميعا عباد الله عاملون بأمره، تاركون لنهيه، ومن عادى واحدا منهم، فقد عادى الله وجميع الملائكة، والإيمان بالملائكة له آثار طيبة على المؤمن في حياته، وهو الركن الثاني من أركان الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة