د. حلمي نصر، رائد العربية في البرازيل

0 581

لا يلزم أن تكون مشهورا لتخدم دينك ولغتك، ولا يلزم أيضا أن تكون محسوبا على مسمى الدعاة الرسميين أو حتى المتطوعين، قد تكون مغمورا وتقدم للإسلام وللغته العربية أكبر بكثير ممن يضرب لهم الطبل.. لن يضرك أن تكون مجهولا عند الناس، يكفي أن تكون معروفا عند الله مذكورا لديه.

نحن اليوم مع واحد من هؤلاء الأخفياء الذين لا يعرفهم كثير من الخلق، لكنه قام بخدمة كبيرة للقرآن وللغة القرآن بين قوم يجهلون كليهما، فهم لا يعرفون القرآن ولا يعلمون لغته.. فقام صاحبنا بأكبر خدمة يمكن أن تقدم لأمثالهم؛ فعرفهم بكتاب الله وبلغة العرب لغة كتاب الله.. فمن هذا العلم المجهول؟ وكيف فعل ذلك؟.

داعيتنا أو صاحب ترجمتنا أو علمنا الذي نتحدث عنه ولا يعرفه الكثيرون هو الأستاذ حلمي نصر..
والأستاذ حلمي محمد ابراهيم نصر مصري الجنسية، ولد في المنصورة، الواقعة في منطقة دلتا النيل، على مسافة 130 كم شمال القاهرة، بتاريخ 22 مارس 1922م.

التحق بالأزهر حيث بدأ دراسة اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية، ثم تابع دراسته في الأدب العربي في جامعة القاهرة.
في عام 1952 سافر الأستاذ حلمي إلى باريس، حيث أتم دراسة الأدب الفرنسي والترجمة في جامعة السوربون، وتابع دراساته العليا في علم النفس وعلم الاجتماع، وبعد عودته إلى القاهرة مارس التدريس في كلية الآداب في جامعة عين شمس.

السفر إلى البرازيل
في سنة 1962 سافر أستاذنا إلى البرازيل كأستاذ جامعي للتدريس في كلية الفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية. وكان في نيته ـ كما يقول ـ البقاء للتدريس لمدة عام واحد، لكنه بقي في البرازيل مدة طويلة قرابة ثلاثة وخمسين عاما حافلة بالعمل والعطاء للغة العربية والتعريف بالدين الإسلامي، حيث كان له الفضل في استحداث قسم اللغة العربية في جامعة ساو باولو البرازيلية ثم استمر بقية حياته هناك في تعليم اللغة وتقريبها إلى أهل تلك البلاد، وفي خدمة القرآن والسعي في عمل ترجمة له باللغة البرتغالية لغة البرازيليين وأكثر شعوب أمريكا الجنوبية .

نشاطات اجتماعية
. وفي السبعينيات من القرن الماضي، انخرط للعمل في الغرفة العربية البرازيلية، في البداية، ولم يبتعد عن الغرفة بعد ذلك؛ حيث شغل عضوية مجلس الإدارة في إدارات متتالية، وفي عام 1992، لعب الأستاذ حلمي دورا هاما لنيل اعتراف جامعة الدول العربية واتحاد الغرف العربية بالغرفة التجارية العربية البرازيلية.

حصل الأستاذ حلمي على الجنسية البرازيلية وتزوج من السيدة “نيدا غطاس”، أستاذة اللغة الإسبانية في جامعة ساو باولو، وقد توفيت سنة 2008م.

أعماله وإنتاجه
ترك الأستاذ حلمي محمد نصر العديد من الأعمال الأكاديمية والترجمة من وإلى اللغة العربية والبرتغالية التي تزخر بها المكتبتان العربية والبرتغالية، وكان من أبرز هذه الأعمال:

1 ـ كتاب "دروس في اللغة العربية"
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي قام الأستاذ بإصدار كتاب “دروس في اللغة العربية لغير الناطقين بها”، مصحوبا بتسجيلات الدروس باللغة العربية بصوته، وباللغة البرتغالية بصوت المذيع البرازيلي المشهور “سيد موريرا”، مذيع نشرة الأخبار الرئيسية في محطة "غلوبو" للتلفزة آنذاك، وقد أعيد إصدار الكتاب سنة 2008، مصحوبا هذه المرة بأقراص مضغوطة (CDs).

2 ـ ومن اللغة البرتغالية إلى العربية قام الأستاذ حلمي بترجمة كتاب "عالم جديد في الأوساط الاستوائية" لعالم الاجتماع البرازيلي “جيلبرتو فريري”، لينقل للقارئ العربي نبذة عن تاريخ تكوين المجتمع البرازيلي.

3- ترجمة معاني القرآن للبرتغالية
وكان هذا أبرز أعماله حيث قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية، وقد أتم ترجمته في العام 2004للميلاد، حيث قام مجمع الملك فهد في المدينة المنورة بطباعته سنة 2005، وتم توزيعه في البرازيل من قبل الغرفة العربية البرازيلية.
وبمناسبة إطلاق ترجمة معاني القرآن الكريم، خلال حفل أقيم في برازيليا، أعرب الأستاذ حلمي عن أمله بأن يسهم إنجازه في تعزيز التقارب ما بين الشعوب، فقال: “إن قراءة القرآن الكريم هي وسيلة للاستمتاع بالحياة وبعبادة الله، وبالتالي أدعوكم جميعا لقراءة القرآن الكريم والاستمتاع بمعانيه، وليس الهدف من هذا العمل تحويل الناس إلى مسلمين، ولكن لفت نظرهم لوجود دين قد يساعدهم في حياتهم، ربما في المستقبل نتعمق في دراسة القرآن هنا في البرازيل".

4 ـ القاموس العربي ـ البرتغالي
قبل ذلك وفي العام نفسه 2004م، أصدر الأستاذ حلمي القاموس العربي – البرتغالي، بمناسبة انعقاد قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، في العاصمة البرازيلية، وأكد آنذاك على أهمية هذا المشروع الذي سيخدم الجالية العربية في البرازيل. ويقرب اللغة العربية لأهل البرازيل والمتحدثين بالبرتغالية حول العالم.

ونظرا لإسهامه في نشر الإسلام في البرازيل دعي الأستاذ حلمي في عام 2007 ليكون عضوا في المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين التابع لرابطة العالم الإسلامي، التي يقع مقرها في مكة المكرمة.

العودة إلى القاهرة
. وفي سنة 2015 قرر الأستاذ حلمي نصر الابتعاد عن الحياة العامة والعودة إلى القاهرة لدفء الأهل والأصدقاء. واعترف آنذاك لوكالة الأنباء العربية البرازيلية (انبا) أنه “بدأ يشعر بالوحدة“، خصوصا بعد وفاة زوجته عام 2008م. وتابع قائلا: “لقد أتممت مهمتي. وسأنهي حياتي بسلام”.

لقد كان الأستاذ حلمي نصر شخصية محبوبة ومحترمة من قبل أبناء الجالية العربية والإسلامية في البرازيل، وعلى الأخص في مدينة ساو باولو، وكذلك في الوسط الأكاديمي. كان يتمتع بكاريزما مميزة، ولم تكن الابتسامة تفارق وجهه.

وفاته رحمه الله
في القاهرة ـ حيث أحب أن يختم بها حياته الحافلة ـ أعلن عن وفاة العالم المصري الأستاذ الدكتور حلمي محمد نصر، مؤسس قسم اللغة العربية بجامعة " ساو باولو"، البرازيل ومترجم معاني القرآن الكريم للغة البرتغالية والتي طبعت بمجمع الملك فهد رحمه الله.
حيث وافته المنية يوم الأحد الماضي والموافق ٢٤ نوفمبر، عن عمر يناهز ٩٧ عاما، بجمهورية مصر العربية. مخلفا حفيدتين وخمسة أولاد أحفاد، وشقيق، هذا بالإضافة إلى ابنه الدكتور محمد نصر، أستاذ جراحة القلب في معهد القلب القومي، في القاهرة.
هذا وقد نعى مركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي وكافة الجمعيات الإسلامية بالبرازيل الفقيد، وأعلن رسميا إقامة العزاء له في مسجد البرازيل يوم الأحد القادم، كما قدموا العزاء لمحبيه عبر منصات التواصل الاجتماعي.

تأبين خارجي
وقد علق الأستاذ “روبنز جنون” رئيس غرفة التجارة العربية البرازيلية على وفاة الأستاذ حلمي قائلا: “الأستاذ حلمي شخصية لا يمكن الاستغناء عنها. أفتخر وأعتز بصداقته وبالعمل معه خلال أعوام مديدة. كما أنه مبعث فخر للغرفة أن تضم إدارتها إنسانا بهذا المستوى من المعرفة، خلال فترة طويلة من تاريخها”.

وأعرب عميد مجلس السفراء العرب في البرازيل وسفير دولة فلسطين، ابراهيم الزبن، عن حزنه العميق لوفاة الأستاذ حلمي. وقال: “أود باسم مجلس السفراء العرب في البرازيل أن أعرب عن خالص تعازينا وشعورنا بالحزن لفقدان هذا العلم العربي الذي كان حاضرا في البرازيل في المجال الأكاديمي والاجتماعي والديني والذي شغل بمنتهى الجد منصب نائب رئيس غرفة التجارة العربية البرازيلية”.

وتابع: "إننا بفقداننا للأستاذ حلمي نفقد أحد أهم بناة الدعائم التي ترتكز عليها العلاقات العربية البرازيلية. ونفقد أيضا شخصا قدم خدمات جلى ستبقى إرثا راسخا في ذكريات الأجيال. وأخص بالذكر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية وإنجازه لهذا العمل الجبار الذي يستحق منا كل الاحترام والتقدير”.

رحم الله الفقيد، وجزاه عن القرآن واللغة خير الجزاء..
ونسأل الله أن يغفر له، وأن يجعل ما قدم شفيعا له يوم القيامة.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة