- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الشرك والكفر
الشرك الأصغر هو كل ما كان ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وقد نهى عنه الشرع وسماه شركا، وهو وإن لم يكن مخرجا من الإسلام لمن وقع فيه، إلا أن صاحبه قد أرتكب ذنبا وإثما عظيما، والشرك الأصغر قد يكون في الأقوال، وقد يكون في الأعمال.
بعض صور الشرك الأصغر في الأقوال:
وهو ما يخرج من اللسان مثل: الحلف بغير الله، كالحلف بالنبي، والكعبة، والآباء، والشرف، والجاه، والأمانة، والنعمة، وتربة فلان، والذمة، والأمانة، والصلاة، ونحو ذلك.. ومن الشرك الأصغر قول: ما شاء الله وشئت، أو: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، ومالي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض.. والأحاديث النبوية الصحيحة في النهي عن ذلك كثيرة، منها:
ـ عن سعد بن عبيدة رضي الله عنه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه سمع رجلا يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك) رواه أبو داود وصححه الألباني.
ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجعلتني مع الله عدلا ـ وفي لفظ ندا ـ، لا، بل ما شاء الله وحده) رواه أحمد وحسنه الألباني.
قال ابن القيم في "زاد المعاد": "في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ كان يتخير في خطابه، ويختار لأمته أحسن الألفاظ.. ومنه قوله: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان)، وفي معناه قول من لا يتوقى الشرك: "أنا بالله وبك"، "وأنا في حسب الله وحسبك"، "وما لي إلا الله وأنت"، "وأنا متوكل على الله وعليك"، "وهذا من الله ومنك".. وأمثال هذه الألفاظ التي يجعل قائلها المخلوق ندا لله، وهي أشد منعا وقبحا من قوله: ما شاء الله وشئت. فأما إذا قال: أنا بالله، ثم بك، وما شاء الله، ثم شئت فلا بأس، كما في حديث الثلاثة (الأبرص والأقرع والأعمى في الغار): (لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك)".
ـ ومن الشرك الأصغر في الأقوال: نسب الأمطار وغيرها من الحوادث الكونية إلى النجوم والكواكب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) رواه البخاري. والكفر في هذا الحديث جاء تفسيره في الرواية الأخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تروا إلى ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون الكواكب وبالكواكب). فبين النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن من نسب إنزال المطر إلى الكواكب باعتبارها سببا لنزوله، فكفره كفر بنعمة الله عليه، ومعلوم أن كفر النعمة كفر أصغر، أما من اعتقد أن الكواكب هي التي تتصرف في الكون، وأنها هي التي تنزل المطر، فهذا شرك أكبر.
بعض صور الشرك الأصغر في الأعمال:
من صور الشرك الأصغر في الأعمال: إتيان الكهان وتصديقهم، والاستعانة على كشف أمر غيبي أو مستقبلي بالعرافين والمنجمين والرمالين وغيرهم من المشعوذين، وكذلك لبس وتعليق التمائم، لدفع البلاء أو رفعه.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا، فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما) رواه مسلم، وقيل يا رسول الله: (كنا نأتي الكهان؟ قال: فلا تأت الكهان) رواه مسلم. والعراف والكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، هم الذين يدعون معرفة الغيب أو الأمور المستقبلية ويذهب الناس إليهم لذلك.
ومن صور الشرك الأصغر بالأعمال: تعليق التمائم، والتمائم في اللغة: جمع تميمة، وهي في الأصل خرزة كانت تعلق على الأطفال، يتقون بها من العين ونحوها، وفي الاصطلاح: هي كل ما يعلق ـ على المرضى أو الأطفال أو على البيوت أو غيرها ـ من تعاويذ لدفع البلاء أو رفعه، والتولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) رواه أبو داود وصححه الألباني. والمقصود بالشرك هنا الأصغر دون الأكبر. وقال صلى الله عليه وسلم: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن الشرك الأصغر في الأعمال: الطيرة، والطيرة مأخوذة من التطير وهو التشاؤم، وإنما كانت الطيرة شركا، لأنها من أعمال أهل الشرك، ولأنها سوء ظن في الله عز وجل. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال السيوطي: "وهذه الجملة أي من قوله: "وما منا" إلى آخره ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو الصواب". وقال ابن حجر: " وقوله: (وما منا إلا..) من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر، وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري". وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى، وقوله: (ولكن الله يذهبه بالتوكل) إشارة إلى أن من وقع له ذلك فسلم لله، ولم يعبأ بالطيرة، أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك".
والرياء من صور الشرك بالله عز وجل في الأعمال: والرياء ضد الإخلاص، والإخلاص: أن تقصد بعلمك وعملك وعبادتك وجه الله تعالى، أما الرياء فمشتق من الرؤية وهو أن يعمل العمل ليراه الناس، وقد عرف العلماء الرياء بقولهم: "هو أن يفعل العبد الطاعة، ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله، أو يخبر بها، أو يحب أن يطلع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه" وقيل: "هو أن يبتغي العبد الدنيا بعمل الآخرة، أو يقصد بعبادته غير الله". والرياء صورة من صور الشرك بالله عز وجل، فعن محمود بن لبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة، إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) رواه أحمد وصححه الألباني.
الشرك الأصغر ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركا، وهو غير مخرج من الإسلام، بل الواقع فيه لا يزال في دائرة الإسلام، وصور الشرك الأصغر عديدة يصعب حصرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل). وقال ابن القيم: "والشرك أنواع كثيرة، لا يحصيها إلا الله، ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتسع الكلام أعظم اتساع".
ومع أن الواقع في الشرك الأصغر لا يخرج من الإسلام، ولا يخلد في النار إلا أنه ينبغي الحذر منه كل الحذر، والبعد عنه كل البعد، وقد يتهاون بعض الناس بهذا النوع لتسميته شركا أصغر، وهو إنما سمي أصغر بالنسبة للشرك الأكبر. قال الشيخ حافظ الحكمي:
والشرك نوعان: فشرك أكبر به خلود النار إذ لا يغفر
وهو اتخاذ العبد غير الله ندا به مسويا مضاهي
والثان شرك أصغر وهو الريا فسره به ختام الأنبيا
ومنه إقسام بغير الباري كما أتى في محكم الأخبار
وقال: والنوع الثاني من نوعي الشرك: شرك أصغر، لا يخرج من الملة، ولكنه ينقص ثواب العمل، وقد يحبطه إذا زاد وغلب، وهو الرياء اليسير في تحسين العمل، فسره به أي: فسر الشرك الأصغر بالرياء خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء".
والواجب على المسلم أن يحذر كل الحذر من الشرك صغيره وكبيره، وأن يكثر من دعائه لربه سبحانه أن ينجيه منه، كما قال إبراهيم عليه الصلاة: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}(إبراهيم:35)، قال السعدي: "أي: اجعلني وإياهم جانبا بعيدا عن عبادتها". قال إبراهيم التيمي: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟". وروى البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم). فإذا كان الشرك الأصغر مخوفا لأصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، مع فضل صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكمال علمهم، وقوة إيمانهم، فكيف لا يخافه من هو دونهم في الإيمان والعلم والعمل؟!