- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان باليوم الآخر
الميزان في الآخرة هو الميزان الذي ينصبه الله عز وجل يوم القيامة لإظهار مقادير أعمال الخلق، خيرها وشرها، والتي يحاسبهم الله عليها، وهو ميزان دقيق، لا يزيد ولا ينقص، ولا يقدر قدر هذا الميزان إلا الله تعالى. والميزان في الآخرة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وقد أخبر الله تعالى عنه في كثير من آيات القرآن الكريم إخبارا مجملا، وأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكثير من التفصيل في الكثير من أحاديثه، تنويها بعظم شأنه، وخطورة أمره، وهو ميزان حقيقي، توزن به أعمال العباد.. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في ذلك كثيرة، ومنها:
أولا: أدلة إثبات الميزان من القرآن الكريم:
1 ـ قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}(الأنبياء:47)، قال السعدي: "يخبر تعالى عن حكمه العدل، وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم في يوم القيامة، وأنه يضع لهم الموازين العادلة، التي يبين فيها مثاقيل الذر، الذي توزن بها الحسنات والسيئات".
2 ـ وقال سبحانه وتعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}(المؤمنون:102 ـ 103)، قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: {فمن ثقلت موازينه} موازين حسناته، وخفت موازين سيئاته {فأولئك هم المفلحون} يعني: الخالدون في جنات النعيم".
3 ـ وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه فأمه هاوية}(القارعة: 6- 9)، قال الطبري: "يقول: فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين: الوزن.. وقوله: {وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} يقول: وأما من خف وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل".
4 ـ وقال عز وجل: {والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولـئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولـئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}(الأعراف: 8 -9)، قال ابن كثير: "{والوزن} أي: للأعمال يوم القيامة {الحق} أي: لا يظلم تعالى أحدا، كما قال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}(الأنبياء: 47)، وقال تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}(النساء:40)، وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية}{القارعة:6-11)، وقال تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}(المؤمنون: 101 -103).. والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإن كانت أعراضا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما. قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس.. وقيل: يوزن كتاب الأعمال.. وقيل: يوزن صاحب العمل.. وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم".
ثانيا: أدلة إثبات الميزان من الأحاديث النبوية:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) رواه البخاري. قال ابن بطال: "وأجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان وتمثل الأعمال بما يوزن، وخالف ذلك المعتزلة وأنكروا الميزان وقالوا: الميزان عبارة عن العدل، وهو خلاف لنص كتاب الله، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال الشيخ ابن عثيمين: "والموازين جمع ميزان، قد وردت في الكتاب والسنة مجموعة ومفردة".
2 ـ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض..) رواه مسلم. قال النووي: "(والحمد لله تملأ الميزان) فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها".
3 ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة (صحيفة صغيرة) فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال : فإنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. قال ابن حجر: "والصحيح أن الأعمال هي التي توزن". وقال الشيخ ابن عثيمين: "والذي يوزن العمل.. وقيل: صحائف العمل، لحديث صاحب البطاقة، وقيل: العامل نفسه لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) وقال اقرءوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}(الكهف:105). وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته، وهذا جمع حسن، والله أعلم".
4 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل، قال: قلت: يا رسول الله فأين أطلبك (في أي مكان من الأماكن التي أكون محتاجا إلى شفاعتك أجدك؟)؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط، قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطأ هذه الثلاث المواطن) رواه الترمذي وصححه الألباني، قال الطيبي في "تحفة الأحوذي: "في أي موطن من المواطن التي أحتاج إلى شفاعتك أطلبك لتخلصني من تلك الورطة، فأجاب على الصراط، وعند الميزان والحوض".
أقوال العلماء والسلف في الميزان يوم القيامة:
الميزان في الآخرة عند أهل السنة ميزان حقيقي توزن به أعمال العباد يوم القيامة والحساب، وأجمع على القول به واعتقاده جميع السلف الصالح من أهل الإسلام، وقد تلقى المسلمون ـ سلفا وخلفا ـ الإيمان بالميزان، ولم يخالف فيه أحد ممن يعتد بقوله في باب العقائد. قال اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة": "عن ابن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا، وشاما ويمنا، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.. والميزان حق له كفتان". وقال: "اللالكائي": "وأجمع السلف على إثبات الميزان في الحساب يوم القيامة، قال سفيان بن عيينة: "السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم".
وقال ابن بطة في كتابه "الإبانة الصغرى": "وقد أجمع أهل العلم بالأخبار، والعلماء والزهاد والعباد في جميع الأمصار أن الإيمان بذلك، - يعني: بالميزان - واجب لازم".
وقال السفاريني: "والحاصل: أن الإيمان بالميزان ـ كأخذ الصحف ـ ثابت بالكتاب والسنة والإجماع". وقال: "فقد دلت الآثار على أنه ميزان حقيقي ذو كفتين ولسان، كما قال ابن عباس، والحسن البصري، وصرح بذلك علماؤنا، والأشعرية وغيرهم، وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر، وانعقد إجماع أهل الحق من المسلمين عليه".
وقال أحمد بن حنبل: "أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم.. إلى أن يقول: والإيمان بالميزان".
وقال علي بن المديني: "وهناك أقوال كثيرة لأهل العلم في إثبات ميزان الأعمال إثباتا حقيقيا كما أثبته الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن قدامة في "لمعة الاعتقاد": "والميزان له كفتان ولسان".
وقال ابن تيمية: "وتنصب الموازين، فتوزن فيها أعمال العباد". وقال ابن حجر: "قال أبو إسحاق الزجاج: أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال، وأنكرت المعتزلة الميزان، وقالوا: هو عبارة عن العدل فخالفوا الكتاب والسنة، لأن الله أخبر أنه يضع الموازين لوزن الأعمال، ليرى العباد أعمالهم ممثلة ليكونوا على أنفسهم شاهدين".
الحكمة من نصب الميزان يوم القيامة:
من المعلوم والمتيقن به أن الله مطلع على أعمال العباد، عالم بها، فلماذا توزن هذه الأعمال؟ ذكر العلماء بعض الحكم في ذلك، فمنهم من قال: تعريف الخلق بما لهم من الجزاء والأعمال، فيعرفهم الله تعالى بما عملوه من خير أو شر، وذلك لإقامة الحجة عليهم. ومنهم من قال: لإظهار عدل الله سبحانه وتعالى، وأنه الحكم العدل، وأن الناس لن يظلموا عنده أبدا: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}(الأنبياء:47). قال ابن أبي العز: "ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فلا أحد أحب إليه العذر من الله". وقال ابن بطال: "قال المهلب: فأخبر الله تعالى أنه يضع الموازين لتوزن أعمال العباد بها، فيريهم أعمالهم ممثلة في الميزان لأعين العاملين، ليكونوا على أنفسهم شاهدين، قطعا لحججهم، وإبلاغا في إنصافهم عن أعمالهم الحسنة، وتبكيتا لمن قال: إن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون، وتقصيا عليهم لأعمالهم المخالفة لما شرع لهم، وبرهانا على عدله على جميعهم، وأنه لا يظلم مثقال حبة من خردل حتى يعترف كل بما قد نسيه من عمله، ويميز ما عساه قد احتقره من فعله".
من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالميزان يوم القيامة، وأنه ميزان حقيقي له كـفتان، ولا يقدر قدره إلا الله تعالى، وأن أعمال العباد توزن به، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، وفي شرح العقيدة الطحاوية: "والذي دلت عليه السنة أن الميزان الذي توزن به الأعمال يوم القيامة له كفتان حسيتان مشاهدتان". وقال الألباني: "والأحاديث في ذلك متضافرة، إن لم تكن متواترة". وقال القرطبي: "فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها".