- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان بالكتب
القرآن الكريم كلام الله عز وجل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال الله تعالى: {وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(فصلت 42:41)، قال ابن كثير: "قال الضحاك، والسدي، وقتادة: وهو القرآن {وإنه لكتاب عزيز} أي: منيع الجناب، لا يرام أن يأتي أحد بمثله، {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} أي: ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزل من رب العالمين، ولهذا قال: {تنزيل من حكيم حميد} أي: حكيم في أقواله وأفعاله". وقال السعدي" أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه".
وقد أوحى الله تعالى القرآن الكريم وأنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام، بلسان عربي مبين، قال الله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}(النحل:102)، قال ابن كثير: "أي: جبريل". وقال القرطبي: "يعني جبريل، نزل بالقرآن كله". وقال سبحانه: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}(الشعراء:192ـ195). وقال تعالى: {إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين}(الواقعة:77-80). قال ابن كثير:" {إنه لقرآن كريم} أي: إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم. {في كتاب مكنون} أي: في كتاب معظم محفوظ موقر".
ـ والقرآن الكريم وصفه الله سبحانه بأنه كلامه، قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}(التوبة:6) والمراد بلا ريب بكلام الله هنا القرآن الكريم، قال ابن كثير: "{استجارك} أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته {حتى يسمع كلام الله} أي: القرآن". وقال الطبري: "ليسمع كلام الله منك ـ وهو القرآن الذي أنزله الله عليه ـ". وقال السعدي: "وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها". وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: " سمعت عمر بن الخطاب يقول على منبره: أيها الناس، إن هذا القرآن كلام الله". وقال الآجري في كتابه "الشريعة": "اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن قول المسلمين الذين لم يزغ قلوبهم عن الحق، ووفقوا للرشاد قديما وحديثا: أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق، دل على ذلك القرآن والسنة، وقول الصحابة رضي الله عنهم، وقول أئمة المسلمين"، وقال ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية: "القرآن كلام الله". وقال ابن حجر: في "فتح الباري شرح صحيح البخاري": "والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه، والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله، وأنه غير مخلوق، ثم السكوت عما وراء ذلك".
ـ لم ينزل القرآن الكريم: جملة واحدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نزل منجما، أي مفرقا حسب الوقائع، أو جوابا عن أسئلة، أو حسب مقتضيات الأحوال في ثلاث وعشرين سنة، فقد شاء الله تعالى أن يكون التدرج سنة واضحة في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك نزل القرآن منجما، قال الله تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}(الإسراء:106)، قال الفخر الرازي: "لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة على الخلق، فكان يثقل عليهم ذلك، أما لو نزل مفرقا منجما، لا جرم نزلت التكاليف قليلا قليلا، فكان تحملها أسهل". وقال السعدي:" {لتقرأه على الناس على مكث} أي: على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. {ونزلناه تنزيلا} أي: شيئا فشيئا، مفرقا في ثلاث وعشرين سنة". وقال ابن القيم: "لما كمل له صلى الله عليه وسلم أربعون أشرقت عليه أنوار النبوة، وأكرمه الله تعالى برسالته، وبعثه إلى خلقه، واختصه بكرامته، وجعله أمينه بينه وبين عباده.. قالوا: أول ما أكرمه الله تعالى بنبوته وأنزل عليه القرآن في رمضان جملة واحدة فى ليلة القدر إلى بيت العزة، ثم أنزل منجما (مفرقا) بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة".
ـ القرآن الكريم: أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله تعالى بها، فقد أيد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالعديد من المعجزات الدالة على صدقه ونبوته، وعلو قدره وشأنه، وكان أعظمها على الإطلاق القرآن الكريم، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}(الإسراء: 88)، وقال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(البقرة:23ـ24)، قال ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من متقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له. ومعلوم لكل ذي لب أن محمدا صلى الله عليه وسلم من أعقل خلق الله، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق، فما كان ليقدم على هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته. وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا". وقال ابن حجر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي): "أي إن معجزتي التي تحديت بها (الوحي الذي أنزل علي) وهو القرآن، لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره، تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه". وقال العز بن عبد السلام: "ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن معجزة كل نبي تصرمت (انقطعت) وانقرضت، ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم، باقية إلى يوم الدين".
ـ القرآن الكريم آخر الكتب السماوية، وقد نقل إلينا بالتواتر الذي لا يرقى إليه أي شك، وقد كتب القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبمرأى وعلم منه، حيث كان للوحي كتبة من خيرة الصحابة رضي الله عنهم، يكتبون كل ما نزل من القرآن الكريم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الصحابة كتابة الأحاديث النبوية خشية الخلط بين القرآن والسنة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) رواه مسلم. قال النووي: "وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة، وقيل إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ". ولم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم في مصحف واحد لاحتمال نزول آيات جديدة، أو احتمال نسخ لبعض آياته، ولأن القرآن كان يتنزل حسب الوقائع والحوادث، حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر رضي الله عنه بجمعه، وقام عثمان رضي الله عنه بجمع الناس على مصحف واحد، وأجمع الصحابة على ذلك فصار إجماعهم دليلا شرعيا. ففي البخاري عن زيد بن ثابت قال: (أرسل إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر (اشتد) يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن يجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر).
ـ تكفل وتعهد الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم من أي تحريف أو تبديل، أو زيادة أو نقصان إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر:9)، قال ابن كثير: "قرر تعالى أنه هو الذي أنزل الذكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل. ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى: {له لحافظون} على النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: {والله يعصمك من الناس}(المائدة: 67)، والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق". وقال الله تعالى: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(فصلت: 41ـ42). قال السعدي: "أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه".
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخارى": "وسأل بعض علماء النصارى محمد بن وضاح فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلاف ذلك؟ فقال له: لأن الله وكل (ترك) حفظ كتابكم إليكم فقال: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله}(المائدة:44)، فما وكله إلى المخلوقين دخله الخرم والنقصان، وقال في القرآن: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر: 9)، فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه ولا إلى النقصان".
المسلم يهتم اهتماما كبيرا بالقرآن الكريم، توقيرا وتعظيما، وتلاوة وتدبرا، وعلما وعملا، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}(ص:29)، قال السعدي: "فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله.. وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود". وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول: {آلم} حرف، ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف، و(ميم) حرف) رواه الترمذي وصححه الألباني.