- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقدمات عامة
الكتاب والسنة هما النبع الصافي لدين الإسلام، وهما المنهج الكامل للحياة السوية، والميزان الصحيح الذي توزن به الأقوال والأفعال، ولا يكون للمسلمين شأن وقدر، ولا عز ولا نصر، ولا فلاح في الدنيا، ولا نجاة في الآخرة، إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة. والأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وأقوال السلف على ضرورة التمسك والاعتصام بالكتاب والسنة كثيرة جدا، ومن ذلك:
أولا: الأدلة من القرآن الكريم على الاعتصام بالكتاب والسنة:
قال الله تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}(آل عمران:132)، {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}(النساء:69)، {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}(آل عمران:32)، {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين}(المائدة:92). وقال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}(النور:51).
وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بالتحاكم إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، فقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}(النساء:59)، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قال مجاهد وغير واحد من السلف: أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة". وقال القرطبي: "أي ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة، وهو الصحيح". وقال السعدي: "أمر برد كل ما تنازع الناس فيه، من أصول الدين وفروعه، على الله والرسول، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومهما، أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى، يقاس عليه ما أشبهه. لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما فالرد إليهما شرط في الإيمان".
وقال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}(الحجرات:1): "عن ابن عباس قال: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. وعن الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم".
فائدة: السنة النبوية من الوحي:
من المعلوم أن السنة النبوية من الوحي، قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر:7)، وقال سبحانه: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}(النجم:3-4)، قال السعدي: "ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}(النساء:113)، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى".
وقال ابن بطة في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" محذرا المسلمين من شر الذين يقولون القرآن فقط، كالقرآنيين وما شابههم، الذين يرون أن القرآن هو المصدر الوحيد للإيمان والتشريع في الإسلام، وأن السنة لا يحتج بها ـ: "وليعلم المؤمنون من أهل العقل والعلم أن قوما يريدون إبطال الشريعة، ودروس (ذهاب واختفاء) آثار العلم والسنة، فهم يموهون على من قل علمه، وضعف قلبه، بأنهم يدعون إلى كتاب الله، ويعملون به، وهم من كتاب الله يهربون، وعنه يدبرون، وله يخالفون، وذلك أنهم إذا سمعوا سنة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها الأكابر عن الأكابر، ونقلها أهل العدالة والأمانة، ومن كان موضع القدوة والأمانة، وأجمع أئمة المسلمين على صحتها، أو حكم فقهاؤهم بها، عارضوا تلك السنة بالخلاف عليها، وتلقوها بالرد لها، وقالوا لمن رواها عندهم: تجد هذا في كتاب الله؟ وهل نزل هذا في القرآن؟ وائتوني بآية من كتاب الله حتى أصدق بهذا". وقال الشاطبي في "الموافقات في أصول الشريعة": "الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام، معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة. وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله، لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى".
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال الخطابي في "معالم السنن": "وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فخذوه، وإن خالفه فدعوه" فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الساجي عنيحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة".
ثانيا: الأدلة من الأحاديث النبوية على الاعتصام بالكتاب والسنة:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال:يا أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، كتاب الله وسنتي) رواه الحاكم وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) رواه البزار وصححه الألباني. وفي هذين الحديثين: (تركت فيكم) و(خلفت فيكم شيئين) أي: تركت لكم بعد وفاتي ومماتي أمرين، (لن تضلوا بعدهما) أي: ما عملتم وتمسكتم واعتصمتم بهما، فهما سبب في الهداية في الدنيا والفوز في الآخرة، (كتاب الله، وسنتي)، أي: بالاستمساك والعمل بالقرآن والسنة معا. قال المناوي: "فهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدى إلا بهما، والعصمة والنجاة في التمسك بهما، فوجوب الرجوع للكتاب والسنة معلوم من الدين بالضرورة". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم.
ثالثا: الأدلة من أقوال السلف على الاعتصام بالكتاب والسنة:
الاعتصام بالكتاب والسنة من الأصول التي اتفق وأجمع عليها سلف وخلف وعلماء الأمة، وقد عبر اللالكائي عن ذلك في كتابه "أصول السنة" بقوله: "أما بعد: فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله عباده من فهم توحيده وصفاته، وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها، والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار والمتقين". وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من الكتاب والسنة كثير، وترجم عليه أهل العلم في الكتب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين". وقال الإمام الشافعي: "وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما"، وقال الإمام مالك: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما صلح به أولها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".
الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح:
السلف الصالح هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أهل القرنين التاليين ـ خاصة ـ، قال الشيخ ابن عثيمين: "السلف معناه المتقدمون، فكل متقدم على غيره فهو سلف له، ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة، الصحابة والتابعون وتابعوهم، هؤلاء هم السلف الصالح، ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف، وإن كان متأخرا عنهم في الزمن، لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح رضي الله عنهم".
وكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما العصمة والنجاة لمن اعتصم وتمسك وعمل بهما بفهم السلف الصالح. قال اللالكائي": "فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون". وقال ابن تيمية: "والصواب في جميع مسائل النزاع: ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقولهم هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والعقل الصريح". وقال السفاريني: "المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة، وعرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف، دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي".
وقد أشار الشيخ ابن عثيمين إلى تناقض وبطلان قول من قال: "طريق السلف أسلم، وطريق الخلف أحكم" بقوله: "أولا: فيه تناقض، لأنهم قالوا: طريق السلف أسلم، ولا يعقل أن تكون الطريقة أسلم وغيرها أعلم وأحكم، لأن الأسلم يستلزم أن يكون أعلم وأحكم، فلا سلامة إلا بعلم بأسباب السلام،ة وحكمة في سلوك هذه الأسباب.. ثانيا: أين العلم والحكمة من التحريف والتعطيل؟. ثالثا: يلزم منه أن يكون هؤلاء الخالفون أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأن طريقة السلف هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. فهذه العبارة باطلة حتى وإن أرادوا بها معنى صحيحا".
الاعتصام بالكتاب والسنة، أصل من أصول أهل السنة، بل كل أصولهم ترجع إليه، ومن ثم يجب علينا أن نجعلهما ـ بفهم سلف هذه الأمة ـ منهجنا في حياتنا، وأن نعتصم ونتمسك بهما، وفي ذلك نجاة من الانحراف، وأمان من الضلال.