- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:نظائر قرآنية
من النظائر القرآنية نقرأ الآيات الثلاث التاليات:
الأولى: قوله عز وجل: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} (الأنعام:131).
الثانية: قوله سبحانه: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود:117).
الثالثة: قوله تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59).
فقال سبحانه في الآية الأولى والثالثة: {مهلك القرى} فجاء بصيغة اسم الفاعل {مهلك}، وقال عز شأنه في الآية الثانية: {ليهلك القرى} فجاء بـ (لام الجحود) الداخلة على الفعل المضارع.
وختم عز وجل الآية الأولى بقوله: {وأهلها غافلون} في حين ختم تعالى الآية الثانية بقوله عز من قائل: {وأهلها مصلحون} وختم الآية الثالثة بقوله تعالى: {وأهلها ظالمون}.
فتحصل من مجموع هذه الفروق والنظائر سؤالان رئيسان:
الأول: ما وجه مجيء الآية الأولى والثالثة بصيغة اسم الفاعل: {مهلك القرى} ومجيئها في الآية الثانية بصيغة الفعل المضارع المقرون بلام الجحود {ليهلك}؟
الثاني: ما وجه ختم آية الأنعام بقوله سبحانه: {وأهلها غافلون} وختم آية هود بقوله عز شأنه: {وأهلها مصلحون} وختم آية القصص بقوله تعالى: {وأهلها ظالمون}؟
أجاب ابن الزبير الغرناطي عن السؤال الأول بما حاصله: جيء بالفعل المضارع المقرون بـ (لام الجحود) في قوله: {ليهلك} إشارة إلى التكرر بحسب ما يكون منهم، فلو كان في كل أمة وقرن بعد قرن من ينهى عن الفساد والظلم، لما أخذ بذوي الظلم منهم، ولكان تعالى يدفع بعضهم عن بعض، ولكن لما تكرر الفساد، وعم كل قرن، فتكرر عليهم الجزاء والأخذ، فأشار الفعل إلى التكرر، ولم يكن الاسم {مهلك} ليعطي ذلك، وهذا كقوله تعالى: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن} (الملك:19) ولم يقل: (وقابضات) لما قصده من معنى التكرر. وأما قوله سبحانه في سورة القصص: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا} (القصص:59) فإنه تقدم هذا قوله تعالى: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون} (القصص:51) أي: أتبعنا، وولينا التذكار، ويشهد له قوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} (فاطر:24) وقوله سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:15) فلما أعلم سبحانه تتابع التذكار، وتعاقب الإنظار قال تعالى شأنه: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا} (القصص:59) وناسب هذا ذكر اسم الفاعل {مهلك}؛ لأنه قصد ذكر الاتصاف بهذا، ولم يقصد التكرر.
وقد أجاب أبو هلال العسكري عن هذا السؤال بجواب مختصر حاصله: أنه سبحانه جاء بصيغة الفعل المضارع المقرونة بـ (لام الجحود)؛ لأن سبحانه نفى الظلم عن نفسه بأبلغ لفظ يستعمل في النفي (ما)؛ لأن هذه اللام (لام الجحود) تظهر بعدها (أن) ولا يقع بعدها المصدر، وتختص بـ (كان) والمعنى: ما فعلت فيما مضى، ولا أفعل في الحال، ولا أفعل في المستقبل، فكان الغاية في النفي. ولما لم يكن في آية القصص صريح ظلم، فاكتفى بذكر اسم الفاعل، وهو أحد الأزمنة غير معين، ثم نفاه.
وأجاب الخطيب الإسكافي عن السؤال الثاني جوابا مختصرا حاصله: أن ذلك إشارة إلى ما تقدم ذكره في سورة الأنعام من العقاب في قوله سبحانه: {قال النار مثواكم خالدين فيها} (الأنعام:128) وبعده قوله عز وجل: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} (الأنعام:130) أي: يوقظونكم بالآيات من غفلاتكم؛ لأن الإنذار الإيقاظ من الغفلات عن المنذر به، فناسب قوله: {غافلون}.
أما ختم الآية في سورة هود بقوله عز وجل: {وأهلها مصلحون} فللبناء على ما تقدم، وهو قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين} (هود:116) فدل على أن القوم كانوا مفسدين، حتى نهاهم أولو بقية عن الفساد في الأرض، فإن نقيض الفساد الصلاح، فقال عز شأنه: لم يكن الله ليهلكهم وهم مصلحون، فاقتضى ما تقدم في كل آية ما اتبعت من الغافلين والمصلحين.
وحاصل جواب ابن الزبير الغرناطي عن السؤال الثاني: أنه لما تقدم في آية الأنعام قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} (الأنعام:130) فقدم سبحانه ذكر بعثة الرسل للجن والإنس، وإنذارهم وتذكيرهم بالآيات، وتعريف الخلق بالجزاء الأخروي على مقتضى قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:15) فلا عذر لأحد. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير} (الأنعام:19) فلم يتركوا سدى، ولا عذر لمعرض ولا متغافل بعد تنبيهه؛ {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} فهذا مناسب.
أما آية هود فقد تقدمها قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم} (هود:116) ولو كانوا ينهون عن الفساد في الأرض لكانوا مصلحين، فلم يكونوا ليؤخذوا بالعقاب؛ ولذلك قال: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} أي: ما كان الله ليفعل بهم ما فعل، وإن وقع منهم ظلم، لو كان فيهم مغير للظلم، وناه عن الفساد، ولكنهم كانوا كما أخبر تعالى عن المعتدين من بني إسرائيل في قوله تعالى عنهم: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} (المائدة:79). فناسب كلا من الآيتين ما أعقبت به، ولم يكن ليناسب آية الأنعام قوله سبحانه: {وأهلها مصلحون} ولا آية هود قوله عز وجل: {وأهلها غافلون}.
هذا، ولم يتعرض الخطيب الإسكافي، وأبو هلال العسكري، وابن الزبير الغرناطي عن وجه ختم آية القصص بقوله سبحانه: {وأهلها ظالمون} ووجهه -فيما أحسب- أن الأمة بعد إرسال الرسول إليها، وتبليغها آيات ربها، وإنذارها عذابه الشديد، وعقابه الأليم، ثم إعراضها عن كل ذلك، فلا ريب أنها بذلك تكون ظالمة لنفسها أشد الظلم، فناسب مجيء الختام بقوله عز وجل: {وأهلها ظالمون}.