- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
توفي مساء الجمعة 4 رجب 1441هـ، الدكتور محمد عمارة أحد أعمدة المعرفة والفكر الإسلامي؛ الذي عرف بدفاعه عن الإسلام ووقوفه حصنا منيعا في وجه دعاة التغريب والحداثة، وقد كان بحق قلما مرابطا على ثغور الفكر الإسلامي يستحق أن تبكي العين دما لفقدانه.
كانت حياته حافلة بالدعوة الواعية، والعلم الغزير، والفكر المنير، والدفاع عن الإسلام وقضاياه الكبرى، بقلمه ومحاضراته وندواته ومناظراته وكتبه ومواقفه الثابتة وإرثه الغزير، في وجه التيارات الفكرية المناوئة لأصول الإسلام ومبادئه وثوابته.
أمضى أكثر من أربعة عقود في إثراء الفكر العربي و الاسلامي بأطروحاته الراقية، وكتاباته الواعية، بلغ بها الدعوة وأقام الحجة، ودفع الشبهة، جمع بكل كفاءة واقتدار بالمزج بين تراثنا العظيم واحتياجات العصر.
كما كان مثالا للعالم العامل الذي لا يخشى في الله لومة لائم، صادحا بالحق، منافحا عن الشرع، مجادلا لمخالفيه بالتي هي أحسن، ووقف إلى جانب ثورات الشعوب، ظل صامدا على مواقفه ولم يبدل تبديلا، حتى حين دوى الرصاص في ليل مصر وخيم الخوف وفتحت السجون أبوابها على مصراعيها.
تميز الدكتور عمارة بمواكبة الأحداث وسعة الإطلاع على مختلف المؤلفات والثقافات المتنوعة، فجمع بين الإطلاع على الثقافة العربية الأصيلة والثقافة الغربية واتجاهاتها وقد حاول تقديم مشروع حضاري يقوم على أسس إسلامية للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيش فيها.
له عشرات الكتب والمناظرات والردود العلمية المتينة على رموز العلمانية العرب، كان مجاهدا بلسانه وقلمه وكتابه بما يملك من حجج بالغة، وأدلة دامغة، وإحصاءات قاطعة، ونقول عن الآخرين باهرة، كل هذا في حسن عرض، وجمال بيان، وروعة أسلوب.
رحمة الله عليه فكم ترك من أثر نافع، وكم دحض من شبهة زائفة، وكم أفحم مخالفا بالحجة الدامغة، كان مجددا في حفاظ على الأصول، وعلما من أعلام الاعتدال والوسطية، نافح عن الإسلام وأصوله في أنصع صورة، وأبهى بيان.
نشأته:
اسمه محمد عمارة مصطفى عمارة
ولد الدكتور محمد عمارة في 8 ديسمبر سنة 1931م في قرية (صرورة) التابعة لمركز دسوق محافظة الغربية في ذلك الوقت، وهي حاليا تابعة لمركز "قلين" بمحافظة كفر الشيخ.
نشأ وتربى في بيئة ريفية غرست فيه معاني الاستقامة وحب الدين والشعائر الإسلامية، وقد نذر والده لله –وهو في بطن أمه- إن قدر هذا الحمل ولدا فسوف يسميه محمدا ويهبه للعلم الشرعي من قرآن وفقه وحديث.
وبعد ولادته حرص والده على تعليمه وتوفير سبل العلم له حتى لا يتوقف عن الدراسة فأحضر له أحد فقهاء القرية لتعليمه القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وبعد ذلك أدخله كتاب القرية حتى حفظ القرآن وجوده.
إلى الأزهر
التحق بالتعليم الابتدائي الأزهري في مدينة دسوق سنة 1945، وهو في الرابعة عشر من عمره، وكان شرط الالتحاق بالسنة الأولى الابتدائية الأزهرية أن يكون حافظا ومجودا للقرآن الكريم وملما بقواعد الإملاء والحساب ، وأن يكون جيد الخط، وتم اجتياز اختبارات القبول.
شارك في صدر شبابه في الأحداث السياسية، ففي سنة 1946م حاول إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت أن يحمل الشعب على الموافقة على اتفاقيته مع الإنجليز المعروفة باتفاقية (صدقي ـ بيفن )، فشارك في مدينة دسوق في التظاهر ضد الاتفاقية التي عارضها الشعب المصري وخرجوا في مظاهرات للتنديد بها.
وفى سنة 1949م نال الشهادة الابتدائية التي كانت في ذلك الوقت 4 سنوات.
ثم التحق بالمعهد الأحمدي الثانوي بطنطا، وأثناء دراسته في المعهد الثانوي بطنطا انضم إلى حزب مصر الفتاة، وفى سنة 1950 و1951 كتب في صحيفتها شعرا ونثرا، وهو طالب في المعهد الثانوي، وكان أول مقال نشرته له صحيفة "مصر الفتاة" بعنوان : "جهاد عن فلسطين"، وكان معارضا للحكومة بصفته عضوا في حزب مصر الفتاة وانصبت كتاباته على نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية.
حصل على الثانوية الأزهرية بمجموع مرتفع مكنه من دخول كلية دار العلوم واجتاز امتحان القبول بها في ذلك الوقت.
الباحث عن الحقيقة
أثناء دراسته في دار العلوم كانت الأفكار الاشتراكية تأخذ مكانها، وكان حزب مصر الفتاة يمزج بين الفكر الاشتراكي والفكر الإسلامي، فامتزجت لديه النزعة الوطنية التحررية والنزعة الاجتماعية مع نزعة الانتماء الإسلامي، وامتزج الأمر معه حتى أعلن عن اشتراكيته في فهم الدين، إلا أنه اكتشف خطر الاشتراكية و الماركسية على الإسلام والأمة فكان خصمها اللدود بعد ذلك.
وفى دار العلوم كانت له نشاطات في العمل الوطني والفكري والثقافي مما عرضه للفصل لمدة عام سنة 1957، وفى يناير 1959م وهو في السنة الرابعة بكلية دار العلوم تم اعتقاله لمدة خمس سنوات ونصف أثناء فترة اعتقالات التيار اليساري في مصر، وبعد خروجه من المعتقل حصل على ليسانس كلية دار العلوم في اللغة العربية والعلوم الإسلامية سنة 1965م وعمره أربع وثلاثون سنة.
وفي أوائل السبعينات بدأ التحول الفكري من الاتجاه الاشتراكي إلى الإسلام بعد أن تشرب الفكر الاشتراكي وعرف سلبياته، وأدرك أن ما به من محاسن فهو موجود بالفعل في الإسلام، لذلك بدأ نشاطه العلمي في إظهار محاسن الإسلام وتعرية دعاة الماركسية الاشتراكية.
الماجستير والدكتوراة
التحق الدكتور محمد عمارة بالدراسات العليا بكلية دار العلوم وتخصص في الفلسفة الإسلامية ونال درجة الماجستير عن موضوعه "مشكلة الحرية الإنسانية عند المعتزلة" سنة 1970م، وناقش الدكتوراه سنة 1975م في موضوع "نظرية الإمامة وفلسفة الحكم عند المعتزلة" وتم التصديق على الدكتوراه بعد عام بسبب أن أحد الأستاذة عرقل التصديق عليها بحجة أن بها آراء تجديدية وآراء لا يرضى عنها!
ثقافته ومعاركه الفكرية
لعبت عدة عوامل رئيسة في تشكيل ثقافته واهتماماته الفكرية مثل ثقافته الإسلامية الأزهرية، وثقافته الفكرية المعاصرة، وشخصيته وميوله الثورية المؤمنة بالحرية والعدالة وهي مؤثرات أثرت لديه الحس والجانب الثقافي والفكري، ومزج تعاليم الدين بالدليل العقلي الذي لا يجزى سواه في مواجهة أصحاب الفكر المعوج.
لم يدخر الدكتور محمد عمارة جهدا في مواجهة الحداثة الفكرية بفكر إسلامي مستنير فكتب مثلا عن العلمانية، وأنها ترجع نسبتها إلى العالم وليس للعلم، فيقال العالمنية وليس العلمانية، فهي لا تؤمن بإله للكون، وفي سبيل ذلك دخل في معارك مع المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه "سقوط الغلو العلماني".
كما اشتبك في نقاط كانت في غاية الحساسية فقد كتب عن الأقباط كتبا، منها: "في المسألة القبطية حقائق وأوهام"، و"عروبة مصر وأقباطها"، و"أكذوبة الاضطهاد الديني في مصر"، و"الأقباط المتطرفون في مصر"، و"الفتنة الطائفية.. متى وكيف ولماذا؟"، تعرض فيه لما يثيره الأقباط من مزاعم حول اضطهادهم، ومحاولاتهم بين الحين والآخر زعزعة الاستقرار في مصر، وطلب التدخل الأجنبي في مصر تحت مسمى الاضطهاد الديني، وتصدى لما يثيره الأقباط من تهجم على الإسلام والإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أسهم في كتبه وأحاديثه حول المرأة و مظاهر تكريم الإسلام لها، ورد على الشبهات التي يثيرها العلمانيون حول المرأة في الإسلام والظلم الاجتماعي لها، ومن كتبه في هذا الصدد: "الإسلام والمرأة" و"تحرير المرأة بين الغرب والإسلام" و"شبهات وإجابات حول مكانة المرأة في الإسلام"، و"التحرير الإسلامي للمرأة" و"في التحرير الإسلامي للمرأة".
وكتب كثيرا من الكتب حول الهوية الثقافية للأمة في عصر العولمة والمعطيات الحضارية للإسلام، وأبرز الوجه المشرق للإسلام تاريخا وثقافة وحضارة، ورد على ما يثار حوله، مما عرضه لكثير من الانتقاد خاصة من العلمانيين واليساريين وغيرهم.
المناصب
عاش الدكتور محمد عمارة حياة بسيطة لا يطلب من الدنيا مغانم ولا يلهث وراء منصب أو جاه، وقد رفض الدكتور العمل الجامعي والاشتغال بأي منصب من المناصب حتى يظل حرا ليس ملكا أو أسيرا لأي جهة ولأجل للتفرغ لمشروعه الفكري. يقول رحمه الله"آثرت التفرغ للبحث والكتابة، وتركت الوظيفة الحكومية وزهدت في التطلع للمناصب منذ تخرجت في كلية دار العلوم، وفضلت أن أظل حرا مشتغلا بالعلم، وأن أكون كالجالس على الحصيرة؛ لأن الجالس على الحصيرة لا يصيبه الأذى إذا ما وقع من عليها"
جدير بالذكر أنه كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر في تشكيلها الأول حين عودتها عام 1433هـ/ 2012م ، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى 16 يونيو 2015 حيث تولى رئاسة تحرير المجلة لمدة أربع سنوات وكان توزيعها في 2011 حوالي 20 ألف، وبعد أربع سنوات وصل توزيعها إلى 70 ألف نسخة، كما قام بتحويلها من مجرد مجلة إلى مؤسسة نشر قامت بطباعة ونشر 50 كتابا علميا وكان عضوا بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، وعضوا بمركز الدراسات الحضارية بمصر، وعضوا بالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية مؤسسة (آل البيت) بالأردن، كما كان عضوا باللجنة التأسيسية لدستور 2012 في مصر، وعضوا بالجمعية الفلسفية المصرية، واتحاد الكتاب.
حصل الدكتور عمارة على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، منها "جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972م"، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976 وغيرها.
مؤلفاته
رفد الدكتور محمد عمارة المكتبة طوال مسيرته العامرة بأكثر من مائتي عنوان في قضايا شتى، رسم من خلالها السمات المميزة للمشروع الحضاري الإسلامي، كما حقق ثلاثة عشر عملا كبيرا ابتداء من الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، وانتهاء بكتاب السنة والبدعة للشيخ محمد خضر حسين وكتب عن المعتزلة والأشاعرة، وعن الغزالي وابن رشد، وعن ابن تيمية والشوكاني، وخير الدين التونسي وعلي عبد الرزاق، وعن الإصلاح الديني في المشرق والمغرب.
كما أسهم في تحرير العديد من الموسوعات السياسية والحضارية العامة مثل: موسوعة (السياسة) وموسوعة (الحضارة الإسلامية) وموسوعة (الشروق) وموسوعة (المفاهيم الإسلامية) وغيرها، وقد ترجمت العديد من كتبه إلى بعض اللغات الشرقية والغربية، وهنا نذكر بعضا من عناوين مؤلفاته:
• معالم المنهج الإسلامي.
• الإسلام والمستقبل.
• نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام.
• معارك العرب ضد الغزاة.
• الغارة الجديدة على الإسلام.
• جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض.
• الشيخ الغزالي: الموقع الفكري والمعارك الفكرية.
• الوعي بالتاريخ وصناعة التاريخ.
• التراث والمستقبل.
• الإسلام والتعددية.
• الإبداع الفكري والخصوصية الحضارية.
• الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا: إسلامية الدولة والمدنية والقانون.
• الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانيين.
• الجامعة الإسلامية والفكرة القومية.
• قاموس المصطلحات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية.
• عمر بن عبد العزيز.
• جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام.
• محمد عبده: تجديد الدنيا بتجديد الدين.
• أبو الأعلى المودودي.
• الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، (تحقيق).
• الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، (تحقيق).
• الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده، (تحقيق).
• الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي، (تحقيق).
• الأعمال الكاملة لقاسم أمين، (تحقيق).
• الأعمال الكاملة لعلي مبارك، (تحقيق).
• معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام.
• القدس الشريف رمز الصراع وبوابة الانتصار.
• هذا إسلامنا: خلاصات الأفكار.
• الصحوة الإسلامية في عيون غربية.
• الغرب والإسلام.
• في المسألة القبطية حقائق وأوهام.
• ابن رشد بين الغرب والإسلام.
• التعددية: الرؤية الإسلامية والتحديات الغربية.
• صراع القيم بين الغرب والإسلام.
• الدكتور يوسف القرضاوي: المدرسة الفكرية والمشروع الفكري.
• عندما دخلت مصر في دين الله.
• الحركات الإسلامية: رؤية نقدية.
• تجديد الدنيا بتجديد الدين.
• الثوابت والمتغيرات في فكر اليقظة الإسلامية الحديثة.
• نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم.
• التقدم والإصلاح بالتنوير الغربي أم بالتجديد الإسلامي.
• الحملة الفرنسية في الميزان.
• الحضارات العالمية: تدافع أم صراع.
• إسلامية الصراع حول القدس وفلسطين.
• الأقليات الدينية والقومية: تنوع ووحدة أم تفتيت واختراق.
• السنة النبوية والمعرفة الإنسانية.
• خطر العولمة على الهوية الثقافية.
• مستقبلنا بين العالمية الإسلامية والعولمة الغربية.
• بين الغزالي وابن رشد.
• الدين والدولة والمدنية عند السنهوري باشا.
• هل المسلمون أمة واحدة.
• الغناء والموسيقى حلال أم حرام.
• أزمة العقل العربي.
• المواجهة بين الإسلام والعلمانية.
• تهافت العلمانية.
• قارعة سبتمبر.
• الإسلام وحقوق الإنسان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 89.
• معالم المشروع الحضاري في فكر الشيخ محمد الغزالي.
• التشيع الفارسي المعاصر - خفايا المؤامرة.
وغيرها الكثير
وفاته:
وفي مساء الجمعة 4 رجب من عام 1441هـ الموافق 28 فبراير 2020م توفي الدكتور محمد عمارة - بعد مرض لمدة قصيرة- عن عمر ناهز 89 عاما، حيث تم تشييع جنازته ودفنه في مسقط رأسه بكفر الشيخ، رحمه الله وغفر له وجعل الفردوس الأعلى مثواه ومأواه آمين.