- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
ما أجمل هذه الكلمة.. الحياة الطيبة....
الحياة الطيبة مقصد كل إنسان، ومطلب كل عاقل، تتوق لها كل النفوس، ويسعى لتحصيلها كل أحد.
لكن ما هي الحياة الطيبة؟
بعض الناس يتصور أن الحياة الطيبة مقترنة بالأضواء البراقة، او المناصب الخداعة. والبعض يتصورها في تكديس الأموال، والانغماس في الشهوات، واحتساء سموم الموبقات. وآخرون يتصورونها في تشييد القصور الفخمة والأبنية الشاهقة.
وكل هذا في الحقيقة إنما هي مظاهر خداعة لا تأتي بحياة طيبة ولا بسكون نفس وصفاء روح وسعادة قلب. والحياة في نسختها المعاصرة أكبر شاهد على ما نقوله؛ فإن الدنيا لم تشهد من التطور التكنولوجي والرفاهية، وتعدد المتع ووسائل الرفاهية، وزيادة المال وارتفاع الدخول وأسباب الراحة مثل ما شهدت في هذه الأيام. ولكن مع ذلك فهي تعيش مفهوم الضنك بكل معانيه..
فهي بحق حضارة القلق، والحيرة الشديدة والضيق القاتل والكآبة والأمراض النفسية. يعاني فيها الإنسان من آلام الحيرة النفسية، والتمزق الروحي رغم ما وصل إليه من ابتكار وسائل للمتعة المادية وإشباعات الجسد.
ازدادت نسبة الجريمة مع تطور التكنولوجيا.. وازدادت المصحات النفسية مع تعدد المتع ووسائل الرفاهية.. وازدادت حالات الانتحار مع زيادة الدخل.. وازداد القلق والتوتر النفسي على المستوى الفردي والجماعي مع الانفتاح على الملذات.
الحياة المعاصرة أبدعت في أساليب الرفاهية والمتعة للإنسان لكنها لم تستطع أن تجلب له سعادة القلب واطمئنان النفس.
بلغ العالم ذروة الرقي المادي ومعه بلغ الحضيض الأخلاقي، أسقط كل الحواجز أمام متعه الحسية ولكنه لم يصل معها للسعادة الداخلية، أقصى ما وهبه التقدم الحضاري لهم مجرد متعة ظاهرية ولذة آنية لم تبلغ مكنونات النفس، ولم تتذوق بها النفس الحياة الطيبة.
مصادر الحياة الطيبة وأسبابها:
المؤمن يطيب قلبه بالإيمان ويطيب لسانه بذكر الرحمن وتطيب حياته بالعمل الصالح والإحسان
قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل:)
وهذا وعد مؤكد من الله تعالى لمن آمن وعمل صالحا أن يحيا حياة طيبة، إنها حياة في رحاب الإيمان والعيش في طاعة الرحيم الرحمن. فقد جعل الله للحياة الطيبة أسبابا من سلكها بلغ.. فمنها:
أولا: الإيمان:
فالإيمان بالله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره، هو الذي يجعل للوجود معنى وللحياة طعما وللإنسان قيمة، وبه يعرف الإنسان غاية وجوده وسر خلقه.
فمن عرف حقيقة الكون والحياة والإنسان وحقيقة المنهج الذي أنزله الله، وحقيقة ما بعد الموت، وحقيقة الذي يسعده والذي لا يسعده؛ عندئذ يكون قد مشى في طريق الحياة الطيبة.
فالإيمان هو أساس طيب النفس وطيب الحياة، وذلك ينبع من نفحات الإيمان بالله والرضا عن أقداره، والثقة به والتوكل عليه، يقول تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} يملؤه رضا وطمأنينة ورجاء وأملا، فيجد حلاوة ذلك في قلبه وتظهر آثاره في سلوكه.
وفي الحديث: [عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له].
فالمحروم حقا من حرم من نعمة الإيمان بالله، فمن فقد الله فقد كل شيء جميل في الحياة، وكانت حياته كلها ضيق وقلق وملل وكدر، لأن الإنسان ليس جسدا فقط بل حسد وروح. فإذا فقد الإنسان الإيمان فقد إنسانيته ولم يعرف لوجوده معنى ولا لحياته طعما، وضاق صدره وزاد قلقه، مهما اتسع عيشه، ولو ملك من القصور ما ملك، ولو عانق من الثراء قمم الفلك.
يقول الشاعر:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان .. .. ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين .. .. فقد جعل الفناء لها قرينا
ويقول الآخر:
يا خــادم الجســم كم تشقى لخدمته .. .. أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها .. .. فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
ثانيا: العمل الصالح:
العمل الصالح في سياق القرآن العظيم أعم وأشمل وأوسع من أداء العبادات، بل هو أسلوب حياة يشمل تفاصيل الحياة كلها.
والعمل الصالح لم يشرع فقط اختبارا وابتلاء، أو لأجل الحصول على أجر، بل شرع لإسعاد الناس، وطمأنينة نفوسهم، وصلاح أحوالهم، وطيب حياتهم.
ومن صور الحياة الطيبة والسعادة الغامرة تقديم الإحسان للناس، ويذكر أحد الأثرياء في مذكراته أنه ظن أن السعادة في اقتناء الأشياء الثمينة الغالية ولكنه وجد أنها لذة مؤقتة، ثم ظن أن السعادة في اقتناء المشاريع الكبيرة من شركات أو مؤسسات ولكنه أيضا حصل على ذلك، ووجدها فرحة عابرة، فأشار عليه أحد أصحابه أن يبحث عن السعادة الحقيقية في إسعاد الآخرين، وأشار عليه أن يشتري كراسي متحركة للأطفال أصحاب الاحتياجات الخاصة ويباشر هذا العمل بنفسه ويرى فرحة الأطفال.. وبالفعل حضر إليهم ورأى وجوههم تتهلل فرحا، ففرح بذلك جدا.. ثم حين هم بالانصراف إذا بطفل يمسك به ويحدق النظر في وجهه، فقال له: لم تفعل ذلك؟ فقال: أريد أن أعرف وجهك جيدا حتى أتمكن يوم القيامة إذا كنا في الجنة أن أقول لربي: إن هذا الرجل قدم لنا هذه الخدمة.. فتأثر الرجل جدا، وقال: تغيرت حياتي تماما بعد هذا الموقف.
فالسعيد من أسعد الناس، والكريم من شمل الناس بكرمه، والطيب من لم ير الناس منه إلا طيب القصد والقول والعمل.
فلنحيينه حياة طيبة:
لقد فسر السلف والمفسرون الحياة الطيبة بتفسيرات متنوعة فقال بعضهم: القناعة: فمن قنعه الله بما قسم له لم يكثر للدنيا تعبه، ولم يعظم فيها نصبه، ولم يتكدر فيها عيشه.
حتى من كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة وبالرضا بالقسمة وتوقع الأجر، وعدم الاهتمام، فضلا عن النظر إلى ما عند الآخرين.
وقال آخرون: الرضا عن أقدار الله.. فيطمئن قلبه وتسكن نفسه.
وقال آخرون: حلاوة الطاعة.
وقال آخرون: الرزق الحلال الطيب، وقال آخرون: نسيم القرب من الله.
قال ابن القيم: الصواب أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة.
كان بعض العارفين يقول: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
قال مالك بن دينار: مساكين أهل الدنيا!! خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته.
قال ابن كثير: والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت.
فالحياة الطيبة تكون في الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء والرضا والبركة وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في النفس وفي الحياة، وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله.
على المسلم الذي يريد أن يحيا حياة طيبة أن يتعلق قلبه بالله وحده، وأن يتوكل على الله في كل شأنه، وأن يقنع بما قسم الله له، وأن يكون راضيا عن أقدار الله كلها. وأن يكون ذا نية طيبة يحب الخير ،للناس وأن يكون ذا قلب طيب متسامح، وأن يكون قوله طيبا، وعمله طيبا وماله طيبا لا يأكل إلا طيبا، وأن يختار عند زواجه المرأة الطيبة العفيفة لتكوين الأسرة الطيبة، وأن يكون طيب الأخلاق وألا يصحب إلا الطيبين.
تكون الحياة أجمل وعيشها أطيب إذا كان ذكر الله تاجها، وكتابه لبها، وحبه ملاكها، وطاعته سماتها. فما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا الآخرة إلا بعفوه، ولا الجنة إلا برؤيته.
وهناك فرق بين الطيبة والضعف والسذاجة، فالطيبة صفاء في القلب، وأما الضعف فقصور في التفكير والتدبير.. ومن أقوال عمر المأثورة: "لست بالخب ولا الخب يخدعني". فكن طيبا وقويا كي لا يخدعك الخبثاء.
الحياة الطيبة لا تعني حياة خالية من البلاء:
الحياة الطيبة لا تعني حياة خالية من المشاكل والهموم والأحزان والابتلاءات، ولكن المؤمن الذي يعيش الحياة الطيبة يحسن استقبال هذه الابتلاءات والهموم والأحزان بنفس راضية مطمئنة، وهو يفهم أن الدنيا دار ابتلاء ونصب، فالأنبياء أشد الناس بلاء مع أنهم كانوا أسعد الناس، ولأن المؤمن جنته في صدره ولو كان مكبلا بالبلاء، فأعتى صور البلاء ليست حياة البائس الفقير المبتلى، إلا إذا كانت استجابته وفهمه للبلاء على نحو لا يجعله خيرا له، أما من استجاب للبلاء الاستجابة التي تجعله خيرا له فليس البؤس إلا في الصورة الظاهرة أما حقيقة أمره فهو أنه يحيى حياة طيبة بقدر جودة استجابته وجريانها على ما يحبه الله.
جزاء الطيبين:
من عاش طيبا توفاه الله طيبا وأدخله دار الطيبين.
عند الاحتضار: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}(سورة النحل)
وتقول له الملائكة عند موته كما جاء في الحديث: [اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب. أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان].
وفي القبر يأتيه عمله الصالح في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح
وعند دخول الجنة تقول لهم الملائكة: {طبتم فادخلوها خالدين}(سورة الزمر).
كن طيبا تطيب لك الحياة، ويسخر الله لك الطيبين من عباده، وتسكن في الآخرة دار الطيب والطيبين.
اللهم ارزقنا طيب الحياة، وطيب الممات، وطيب الجزاء.. يا أكرم الأكرمين.