منهج المناوي في فيض القدير

0 409

المناوي هو محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، زين الدين. المشهور بالمناوي. ولد سنة 952هـ وتوفى سنة 1031 هـ. عاش في القاهرة، وتوفي بها، له تآليف كثيرة، وأهمها شرحه الكبير للجامع الصغير المسمى بفيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، وهو شرح مطول على كتاب الجامع الصغير للإمام السيوطي حيث شرحه شرحا وافيا، شهد له العلماء بطول الباع في صناعة الحديث وعلومه ، وبالتقدم في الفقه والاستنباط، ومن خلال قراءة متأنية لهذا الكتاب، يمكن ملاحظة المعالم التي تحدد منهج المؤلف في هذا الشرح.
1ـ يسلك المؤلف في شرحه طريقة الدمج والمزج، بحيث يضمن شرحه الأصل المشروح.
2ـ يورد المصنف أثناء الشرح فوائد وتنبيهات، وتتمات، وشواهد شعرية، وبعض الأقوال التي تجري مجرى الامثال.
3ـ يتتبع ألفاظ المتن بالشرح، ويوجز في ذلك، لكنه قد يخرجه ذلك إلى الاطالة، فيبادر إلى الاعتذار.
4ـ إذا تعرض إلى شرح حديث من أحاديث الاحكام نصب الخلاف، وذكر الأدلة، لكنه لا يفيض في ذلك، معتذرا بأن محل التفصيل كتب الفروع.
5ـ يوفق المؤلف بين الأحاديث المختلفة ظاهرا، ويجمع بينها، ويفسر بعض الحديث ببعض.
6ـ يترجم المؤلف لراوي الحديث ولمخرجه ترجمة موجزة، وقد يذكر لطائف الاسناد.
7ـ ينبه المؤلف على التحريف الواقع في بعض نسخ الجامع الصغير، ويرجع في تصحيح ذلك إلى نسخة مكتوبة بخط مؤلفه الجلال السيوطي، وينبه إلى أن ما خالفه لا أصل له، ولا وجود له، هذه أهم المعالم التي اشتمل عليها منهج المناوي رحمه الله، وله على السيوطي تعقبات لو تتبعها المرء لجاءت في كتاب حافل.

المناوي أحكامه على أحاديث الجامع الصغير:

يتكلم المناوي على الأحاديث التي يوردها السيوطي في الجامع الصغير، ويحكم عليها بما يراه موافقا للصواب، ويؤيد ذلك في الغالب بالنقل عن علماء هذا الفن، ويتلخص كلامه على هذا الأحاديث في الآتي: 
ـ يعارض السيوطي في تصحيح بعض الأحاديث كقوله عند حديث ( أتاني جبريل في أول ما أوحي فعلمني الوضوء والصلاة...) قال: رمز المؤلف لصحته وليس كما ظن، فقد أورده ابن الجوزي في العلل عن أسامة عن أبيه من طريقين في أحدهما ابن لهيعة، والأخرى رشدين، وقال: ضعيفان، ونقل عن الدارقطني تضعيفه للحديث بسبب ابن لهيعة ورشدين وقال: لكن يقويه كما قال بعض الحفاظ ما ورد من طريق ابن ماجه بمعناه، وورد نحوه عن البراء وابن عباس، أما الصلاة فلا.

ـ يخالف السيوطي في تحسين بعض الأحاديث كقوله عند حديث (أتاني جبريل فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك)، قال: رمز لحسنه، وهو زلل، فقد قال ابن حجر بعد عزوه لابن أبي شيبة وابن ماجه وابن عدي: في إسناده ضعف شديد.

ـ يتعقب السيوطي في كونه قصر الحكم على بعض الأحاديث، فما يقول فيه ضعيف كان حقه الرمز له بالحسن، وما يقول فيه حسن فهو أعلى من ذلك، كقوله عند حديث ( أتاني ملك برسالة من الله عزو جل..) قال: رمز المصنف لضعفه، وهو تقصير، بل حقه الرمز لحسنه، فإنه وإن كان فيه صدقة بن عبد الله الدمشقي، وضعفه جمع، لكن وثقه ابن معين ودحيم وغيرهما، وهو أرفع من كثير من أحاديث رمز لحسنها.

ـ كما ينبه على الأحاديث الموضوعة التي يوردها السيوطي في الجامع ساكتا عنها، مع العلم أن السيوطي قال في مقدمته: وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب.
وأبان المناوي عن هذه الأحاديث التي سكت عنها السيوطي أو لم ينبه على أنها موضوعة، مع العلم أن بعض هذه الأحاديث قد حكم عليها السيوطي بالوضع في بعض كتبه، وقد اعتذر بعض أهل العلم لذلك إما أن السيوطي قد ظهر له اجتهاد فتغير حكمه في الحديث، فبينه في كتبه الأخرى، وإما أنه قد حصل له ذهول ونسيان.
وتارة يحكم المناوي على الحديث بالوضع مستدلا على ذلك بالنقل عن العلماء، كقوله عند حديث ( النية الحسنة تدخل صاحبها الجنة) قال المناوي: فيه عبد الرحيم الفارابي، قال الذهبي في الضعفاء: متهم بالوضع، وفيه إسماعيل بن يحي بن عبيد الله، قال الذهبي: كذاب عدم.

ـ ويوجه المناوي في شرحه حكم السيوطي على الحديث ويفسره مما يبين سببه والداعي إليه، كقوله عند حديث ( آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل ).
رمز السيوطي إلى الخطيب من حديث أبي هريرة، وقال: غريب، والمحفوظ عن ابن عباس موقوف.
قال المناوي رحمه الله: قوله : غريب: أي تفرد به حافظ، ولم يذكره غيره، ورواه عنه أيضا الديلمي هكذا، وقوله: والمحفوظ عن ابن عباس موقوف، أي المحفوظ عند المحدثين أنه موقوف على ابن عباس، أي غير مرفوع، لكن مثله لا يقال من قبل الرأي، فهو في حكمه، وهذا الموقوف صحيح، فقد أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ ( كان آخر لفظ إبراهيم حين ألقي في النار..).

هذا باختصار هو منهج المناوي في التعامل مع أحاديث الجامع الصغير للسيوطي، حيث يوافق ويعارض في الحكم على الحديث، وله في النقد عبارات فيها شيء من الشدة، غير أنها لا تخرج عن الأدب، كما أنه يبين مراد السيوطي في بعض الأحاديث مستدلا في ذلك بالنقل عن أهل العلم، فالجهد الذي بذله المناوي في هذا الكتاب جعله يتبوأ منزلة رفيعة بين شروح الجامع الصغير.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة