أحاديث منسوخة في الحدود

0 191

اقتضت حكمة الله جل وعلا أن يشرع أحكاما لحكمة يعلمها، ثم ينسخها لحكمة أيضا تستدعي ذلك النسخ، إلى أن استقرت أحكام الشريعة وأتم الله تعالى دينه، كما أخبر في كتابه العزيز بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) (المائدة/3)، وقد اهتم العلماء قديما وحديثا بـالناسخ والمنسوخ، وبحثوه ضمن مباحث علوم القرآن الكريم وعلوم الحديث الشريف، وأفرده بعضهم بالتصنيف-؛ إذ بمعرفته تعرف الأحكام، ويعرف ما بقي حكمه وما نسخ.

يطلق النسخ في اللغة على معان تدور بين: النقل والتحويل والإبطال والإزالة، وأما في الاصطلاح فهو: رفع الشارع حكما شرعيا بدليل شرعي متأخر، وهذا هو التعريف المتداول بين الأصوليين والمفسرين، ويعرف النسخ بأمور:
بتصريح النبي صلى الله عليه وسلم به ، كـحديث ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم.
أوبقول الصحابي: ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ) .
أو بالتاريخ  كحديث شداد بن أوس رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقد جاء في بعض الطرق أن الحديث كان في زمن الفتح، فنسخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم في حجة الوداع ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ومنها ما يعرف بالإجماع ، كقتل شارب الخمر في المرة الرابعة ؛ فإنه منسوخ ، عرف نسخه بالإجماع، والإجماع لا ينسخ، ولا ينسخ ، لكن يدل على وجود ناسخ له، والله أعلم.

نسخ قتل شارب الخمر في الرابعة.

المنسوخ: عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه ) قال عبد الله : ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله . رواه أحمد.
وعن معاوية أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم ). رواه الخمسة إلا النسائي.

في هذا الحديث دلالة على أن شارب الخمر إذا تكرر منه الشرب يجلد فإذا بلغ الرابعة يقتل ، وهذا كان في الأمر الأول، على سبيل الزجر والتخويف، ثم نسخ القتل بما ورد في ذلك وهو:
 
الناسخ : عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه ). فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ورفع القتل فكانت رخصة. رواه أبو داود والشافعي وهو مرسل صحابي.
قال الحافظ رحمه الله: رجال هذا الحديث ثقات مع إرساله ، لكنه أعل بما أخرجه الطحاوي من طريق الأوزاعي عن الزهري قال : " بلغني عن قبيصة " ويعارض ذلك رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح لأن يونس أحفظ لرواية الزهري من الأوزاعي، والظاهر أن الذي بلغ قبيصة ذلك صحابي، فيكون الحديث على شرط الصحيح لأن إبهام الصحابي لا يضر. ثم ذكر للحديث شواهد على الاكتفاء بالضرب في الرابعة وترك القتل.
 
قال الشافعي بعد تخريجه الحديث: هذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم علمته، وقال ابن المنذر رحمه الله: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به، ثم نسخ بالأمر بجلده فإن تكرر ذلك أربعا قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافه. ويقصد به بعض أهل الظاهر.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة