- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من الهجرة إلى بدر
من الدعائم الهامة التي قام بها النبي صلوات الله وسلامه عليه في بنائه للدولة المسلمة الوليدة والجديدة في المدينة المنورة بعد هجرته إليها، إقامته وتنشئته للمجتمع على أساس من الحب والأخوة بين أفراده جميعا ـ المهاجرين والأنصار ـ، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، وذلك حتى يتلاحم المجتمع ويصبح يدا واحدة، وتذوب فيه الفوارق، ويتحقق فيه التكافل الاجتماعي، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري.
وقد تكفلت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليه ـ من المهاجرين والأنصار ـ بتدعيم مشاعر الحب وتقوية أواصر الأخوة والصحبة فيما بينهم، وذكر ابن هشام في سيرته أسماء بعض الذين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فقال: "آخى بين أبي بكر وخارجة بن زهير، وآخى بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ، وبين الزبير بن العوام وسلامة بن سلامة بن وقش، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين مصعب بن عمير وخالد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين، وأسماء أخرى بلغت تسعين صحابيا، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (تآخوا في الله أخوين، أخوين)". فتلقى الأنصار أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالحب والفرح، والسمع والطاعة، وفتحوا قلوبهم ودورهم لإخوانهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المؤونة (السقي والعمل) ونشرككم في الثمرة، فقالوا سمعنا وأطعنا) رواه البخاري، وقابل المهاجرون إيثار إخوانهم من الأنصار بحب وتقدير لصنيعهم، رافضين أن يكونوا عالة على أولئك الذين أحبوهم وآووهم وقاسموهم.
وليست قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع أخيه الأنصاري سعد بن الربيع رضي الله عنه سوى مثال واحد من العديد من الأمثلة على هذا الحب الأخوي الذي تم ترجمته إلى بذل وعطاء، وتكافل وإيثار، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فجاء سعد فعرض عليه أن يقاسمه ماله، وقال له: انظر أي زوجتي أحب إليك أتنازل لك عنها حتى إذا ما انتهت عدتها تزوجتها. فأبى عبد الرحمن وقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، فدله على السوق، فباع وابتاع حتى صار له مال، وتزوج امرأة من الأنصار بوزن نواة من ذهب، فقال له النبي: أولم ولو بشاة) رواه البخاري. فضرب سعد بن الربيع رضي الله عنه مثلا فريدا في الإيثار، وضرب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مثلا عاليا في عزة النفس والرغبة في العمل والاكتساب، وكل ذلك تحت ظلال من الحب والأخوة، ولم يشهد المجتمع الإسلامي الجديد ما يسمى بصراع الطبقات، ولم يعرف استعلاء غني على فقير، أو أبيض على أسود، أو عربي على أعجمي، فالمسلمون سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى.
ما من سبيل يزيد من حب الصحابة لبعضهم البعض إلا أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم وحثهم عليه، وما من طريق يؤدي إلى الشحناء والبغضاء بينهم، إلا نهاهم عنه وحذرهم منه، وقد تفتر العلاقة بين المسلم وأخيه أو تنقطع لخلاف في أمر ما، أو نتيجة للحظة غضب بينهما، لكن النبي النبي صلى الله عليه وسلم حفاظا على الأخوة والحب بين أفراد المجتمع، نهى المسلم أن يستمر خصامه ومقاطعته لأخيه فوق ثلاث ليال، وجعل أفضل هذين المتخاصمين المختلفين هو الذي يبدأ أخاه بالسلام، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري.
وقد حرص النبي صلوات الله وسلامه عليه في بنائه للدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة على تعميق معاني الحب في الله، فاجتمع للرعيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قوة العقيدة والإيمان مع عمق الحب والأخوة، فلا يمكن أن تكون هناك دولة قوية مترابطة من غير حب وأخوة، ولذلك فأحاديثه صلوات الله وسلامه عليه في الحب في الله كثيرة، منها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا) رواه مسلم.
- وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال قائل: الصلاة، والزكاة، وقال قائل: الجهاد، قال: إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل الحب في الله والبغض في الله).
- وفي سنن أبي داود وصححه الألباني عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله عز وجل، قالوا: يا رسول الله: من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم تلا هذه الآية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(يونس: 62)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه) رواه البخاري.
- وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) .
لقد اهتم النبي صلوات الله وسلامه عليه اهتماما كبيرا بأن يكون الحب في الله سمة بارزة بين أفراد الدولة المسلمة الجديدة في المدينة المنورة، ومن ثم امتلأ هذا المجتمع الجديد بأروع الأمثلة من التكافل الاجتماعي، والبذل والعطاء، والتناصح والإيثار، التي جعلته جسدا واحدا في السراء والضراء، والآلام والآمال.