كان لأمهات المؤمنين رضي االله عنهن فضل عظيم في تبليغ الدين، ونشر السنة النبوية بـين الناس، وخاصة بين النساء، فكانت حجراتهن رضي االله عنهن مدارس يقصدها طـلاب العلـم، فيجد السائل عندهن جوابه، والمستفتي فتواه، والشاك يقينه، ومن نعمة االله تعالى على هذه الأمة أن تعددت هذه المدارس بتعدد زوجاته، حيث توفي عليه الصلاة والسلام عن تسع نسوة كلهن سمعن منه وشاهدن تفاصيل حياته المعيشية والعبادية علـى تفاوت بينهن في الحفظ والرواية.
ولمكانة أمهات المؤمنين بين الصحابة كان الناس يـستنكرون أن يـسألهم أحـد أو يـستفتيهم في الأحوال الخاصة مع وجودهن، وقد تفاوتت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في حجم الرواية والمرويات المنقولة عنهن في كتب السنة وهذه روايتهن على الترتيب :
-عائشة بنت أبي بكر رضي االله عنها من أصحاب الألوف: ولها ( 2210) حديثا، اتفق لهـا البخاري ومسلم على (174 ) حديثا، وانفرد البخاري (54) حـديثا ،وانفـرد مـسلم (69) حديثا، وهي أشهر النساء في هذا الميدان، وقد عدت من ضمن سبعة من المكثرين في الرواية، وفي الدرجة الرابعة كما رتبه ابن حزم وغيره رحمهم االله، وتحتل الدرجة الثانيـة باعتبار روايتها في الكتب الستة بعد أبي هريرة ، فلها عندهم (2081 )حديث، ومن أهم مزايا السيدة عائشة رضي االله عنها التي جعلتها تحتل هذه المرتبة في نشر الرواية هي:
- نبوغها وذكاؤها وفصاحتها لكونها أبرع الناس في القرآن والحديث والفقه والشعر وأخبارالعرب وأنسابهم .
- امتازت عن بعض الصحابة الرواة بأنها تحملت تلك الأحاديث مشافهة من النبي، لـذلك انفردت بأحاديث لم يروها غيرها خاصة ما يتعلق بتصرفات النبي في بيته ومع أهله .
- كانت تأتيها المشيخة وكبار الصحابة يسألونها عن عويص العلم ومشكله، كما كانت مرجعا هاما عند الاختلاف، وحتى الخلفاء الراشدون كانوا يشاورونها في المسائل ويرجعون إلى رأيها، وقـد شهد لها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بقوله: ( ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة رضي الله عنها، فوجدنا عندها منه علما) رواه الترمذي وحسنه.
- تصحح أخطاء ما تسمع من الأحاديث، وتستدرك ذلك، وقد ألف الزركشي كتابا عن الأمور التي استدركتها على أعلام الصحابة، مثال ذلك ما استدركته على عبد الله بن عمرو بن العـاص حين بلغها أنه يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن فقالت: ( يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن) رواه مسلم.
-أم سلمة : هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية رضي االله عنها: وهي من أصحاب المئين ولها ( 378 ) حديثا كما عند ابن حزم في جوامع السيرة، وفي تحفة الأشراف للمزي بلغت مروياتها في الكتب الستة ( 158 ) حديثا، وتعد ثاني راوية بعد أم المؤمنين عائشة رضي االله عنها، اتفق البخاري ومسلم على (13 ) حديثا، وانفرد البخاري (3 ) أحاديث، ومسلم (13 ) حديثا، أما محتوى مروياتها كانت كعائشة، تأخرت في الوفاة إلى سنة( 62هــ) فقـصدها الـصحابة، وخصوصا بعد وفاة عائشة ( 58هـ) فتصدرت الرواية والفتيا، وجمعت هذه المرويـات بـين الأحكام والتفسير والآداب والأدعية والفتن..وإن كان أكثرها في الأحكام بأبوابها المختلفـة، وتغلب عليها الصفة العملية، وتدل كثرة رواياتها على حفظها واهتمامها بما يصدر عن الرسـول صلى االله عليه وسلم حيث نقل عنها كثير من الرجال والنساء من الصحابة والتابعين ومن مختلف الأمصار ومنهم ابنتها زينب رضي االله عنها.
ـ ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي االله عنها وهي من أصـحاب العـشرات، روت ( 76) حديثا، وتحتل المرتبة الثالثة بين أمهات المؤمنين مع أم حبيبة وحفصة، ولها في الكتب الستة( 31) حديثا، في الصحيحين (7 ) أحاديث، انفرد البخاري بحديث، ومسلم (5 ) أحاديث، وترجع كثرة مروياتها مقارنة بغيرها -رغم كونها آخر من تزوجها النبي من نسائه- إلى تأخر وفاتها من جهة، وإلى كون أحد المكثرين من محارمها وهو ابن عباس رضي االله عنهما، فهذا يـسهل عليـه الدخول عليها وسؤالها في القضايا المختلفة.
ـ أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي االله عنها من أصحاب العشرات، روت ( 65 ) حديثا، ولها في الكتب الستة ( 29 ) حديثا، واتفق البخاري ومسلم على حديثين ، وتفرد مـسلم بحـدثين، روى عنها عدد من الصحابة منهم أخوها معاوية وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وزينـب بنت أبي سلمة رضي االله عنهم، وحديثها مشهور في تحريم الربيبة، وروت في السنن الراتبـة وفي إحداد الزوجة وأبواب الطهارة، وعمومها وصف لأفعال النبي صلى االله عليه وسلم، وفي السنن الرواتب.
ـ حفصة بنت عمر رضي االله عنها وهي من أصحاب العشرات، فلها ( 60 ) حديثا، اتفق الشيخان على (4 ) أحاديث، وانفرد مسلم ب( 6 ) أحاديث، ومجموع مروياتها في الكتب الستة ( 28) حديثا، جاءت في الطهارة والصيام والمناسك والزينة والآداب والطب وتعبير الرؤيا والفتن، وهي كبقية أمهات المؤمنين تغلب عليها رواية السنة الفعلية، إلا أنها اختصت برواية أحاديث لم تروها غيرها كالرقية من النملة وقصة ابن الصائد وخروج الدجال من غضبة يغضبها والدواب التي لا جناح في قتلهن.
ـ زينب بنت جحش رضي االله عنها: مروياتها ( 11 ) حديثا، وهي ابنة عمة رسول االله ، عاشت خمس سنوات معه وعشرا بعده، لها في الكتب (5 ) أحاديث اتفق البخاري ومسلم على حديثين.
ـ صفية بنت حيي بن أخطب رضي االله عنها روت (10 ) أحاديث، واحد منها متفق عليه كما روت في الكتب الستة (6 ) أحاديث أما محتوى مروياتها فالمتفق عليه منها كان في الاعتكاف والمعتكف يخرج لحوائجه إلى باب المسجد، وحديث الجيش الذي يخسف به، وأحاديثها القليلة بالنسبة لغيرها مهمة في سنن لم يروها أحد غيرها .
ـ جويرية بنت الحارث رضي االله عنها روت ( 7) أحاديث ( 4 ) منها في الكتب الستة، عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان، حدث عنها ابن عباس وكريب مولى ابن عباس، ومجاهد وآخرون، روت في الصوم بعدم تخصيص يوم الجمعة بالصوم، وفي ثواب التسبيح، والزكاة وإباحة الهدية للنبي صلى االله عليه وسلم وفي العتق .
ـ سودة بنت زمعة رضي االله عنها ولها ( 5) أحاديث فقط، اثنان في الكتب الستة، واحد منها في البخاري وهو في الذبائح، حدث عنها ابن عباس ويحيى بن عبد االله الأنصاري وغيرهم .
مميزات روايات أمهات المؤمنين : تميزت روايات أمهات المؤمنين عن غيرهن بما يلي :
- لها درجة متميزة لكونها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- تخريجهن جيلا من التابعيات الراويات علاوة على الرواة، ولكونها دروس هامة وعمليـة كمـا في مشروعية الإمامة للنساء التي قام بها أمهات المؤمنين مع الصحابيات والتابعيات.
- نقلهن سيرة النبي صلى االله عليه وسلم ونشرها إلى الأمة، ولذلك كن عمدة في رواية أفعالـه المعيشية وأحواله الخاصة داخل بيته، ومنها المعاشرة الزوجية.
هذه روايات أمهات المؤمنين للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبعه إن شاء الله أسباب تفاوت روايات أمهات المؤمنين للحديث .