السفَّاريني المحدث الزاهد

0 283

 هو الإمام محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني النابلسي الدمشقي الحنبلي أبو عبد الله، وقيل أبو عون، المحدث المتعبد الزاهد الصالح، ولدسنة 1114هـ بقرية سفارين من قرى نابلس في فلسطين.

نشأته وطلبه للعلم

نشأ في قريته سفارين، وقرأ بها القرآن سنة 1131هـ ، واشتغل بالعلم قليلا، ثم توجه إلى دمشق سنة 1133هـ، ومكث بها قدر خمس سنين، فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي، وأخذ عنه الفقه الحنبلي، وكان الشيخ يكرمه، ويقدمه على غيره، وأجازه على كتابه شرحه على الدليل.

كما قرأ على الشيخ عبد الغني النابلس الحنفي، وعلى الشيخ أبي المعالي بن زين الدين المعروف بابن الغزي وأخذ عنه فقه الشافعي، وكما لازم الشيخ إسماعيل العجلوني خمس سنين، في ثلاثة الأشهر من كل سنة، في قراءة لشروح البخاري، وحضر أيضا دروس الشيخ أحمد الغزي في صحيح البخاري.
 
ثم حج سنة 1148هـ، فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة السندي، وتفقه على عدة من المشايخ بها، واجتمع بالسيد مصطفى البكري فلازمه وقرأ عليه مصنفاته، وقد أجازوه جميعا، وقد قضى رحمه الله أربعين سنة في الإملاء والإفادة والتدريس.

أخلاقه وصفاته

كان رحمه الله كما وصفه تلميذه الزبيدي ذا شيبة منورة، مهابا، جميل الشكل، ناصرا للسنة، قامعا للبدعة، قوالا بالحق، مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد، ملازما على نشر علوم الحديث.
 
وزاد الغزي وهو تلميذه فقال: كان مشغلا جميع أوقاته بالافادة والاستفادة، يطرح المسائل على الطلاب والأقران، وكان صادعا بالحق لا يماري فيه، ولا يهاب أحدا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان خيرا جوادا، لا يقتني شيئا من الامتعة والأسباب الدنوية سوى كتب العلم، فإنه كان حريصا على جمعها، ويقول دائما: أنا فقير من الكتب العلمية.
 
وبالجملة فقد جمع هذا الامام بين الأمانة والفقه، والديانة والصيانة، وفنون العلم والصدق، وحسن السمت والخلق والتعبد، وطول الصمت عما لا يعني، وكان محمود السيرة، نافذ الكلمة، رفيع المنزلة، سخي النفس، كريما بما يملك، مهابا معظما، عليه أنوار العلم بادية.

عقيدته ومذهبه

كان رحمه الله حنبلي الأصول، يقرر عقيدته على طريقة أهل الحديث باتباع المأثور، واقتفاء السلف في سائر الأمور، وهو القائل : 
 
عليك بآثار الرسول وصحبه                    ودع عنك آراء الرجال فتغلب
وإن شئت أن تختر لنفسك مذهبا         فقول ابن حنبل يا أخا العلم أصوب
 
وقد جمع في كتابه لوامع الأنوار أقوال السلف والخلف، ومذاهب الفرق والمسائل الاعتقادية، وبين رجحان مذهب السلف على غيره، مؤيدا بالدلائل النقلية، وكذا العقلية فيما يستدل على مثله بالعقل، واقتبس جل تحقيقاته فيه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.

أما مذهبه في الفروع فقد كان رحمه الله حنبلي المذهب، كما في الاعتقاد، وكان محبا للإمام أحمد، وقد ترجم له مطولا في أكثر من كتاب من كتبه، وكان مكثرا من نقول مذهب الحنابلة، ولا يخرج عن المذهب أبدا، ومع هذا لم يشنع على المخالفين لمذهبه، ولم يقده التعصب الأعمى للنيل ممن لم يكن على مذهبه، بل كان محبا للأئمة الأربعة، ويذكر أقوالهم وأدلتهم حيث ذكر مذهب الحنابلة.

تصانيفه

صنف السفاريني جملة من التصانيف الجليلة النافعة، والتي امتازت بحسن التقرير والتحرير، وبحسن الجمع والتأليف، والترتيب والتوصيف وإكثار النقول من كتب الأئمة المحقيقن كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وغيرهم،  فجاءت كتبه مليئة بالفوائد والعوائد، وتجاوزت تصانيفه الثلاثين مصنفا، ومن أبرزها :
ـ تناضل العمال شرح  حديث فضائل الاعمال، وهو في ثمان مجلدات ( طباعة وزارة الأوقاف القطرية).
ـ كشف اللثام شرح عمدة الاحكام ( مطبوع) دار النوادر تحقيق نورالدين طالب.
ـ لوامع الانوار البهية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية ( طبع عدة طبعات).
ـ غذاء الالباب بشرح منظومة الآداب في مجلد ضخم ( طبع عدة طبعات) .

ثتاء العلماء عليه

لقد نال السفاريني الثناء الحسن، والذكر الجميل، خاصة من تلاميذه، فقد قال الغزي عنه: الشيخ الإمام الحبر البحر النحرير، الكامل الهمام الأوحد، العلامة العالم الكامل المنفوق، خاتمة الحنابلة في الديار النابلسية...). وقال تلميذه الزبيدي: شيخنا الإمام المحدث البارع، الزاهد الصوفي. وقال الشطي عنه: بهجة الفقهاءوالمحدثين، شمس الدنيا والدين، خاتمة الحنابلة في الديار النابلسية.  وقال الكتاني : الإمام محدث الشام وأثريه، مسند عصره وشامته.

وفاته

بعد عمر حافل بالعطاء، بين إملاء وإفادة وتدريس وتصنيف توفي السفاريني سنة 1188هـ بنابلس، ودفن بالمقبرة الزاركية من تربتها الشمالية، رحمه الله رحمة واسعة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة