حدث في مثل هذا الأسبوع (15 – 21 شوال)

0 434

وفاة الدكتور عبد الصبور شاهين 17 شوال 1431هـ (2010 م):
كان الدكتور عبد الصبور شاهين رحمه الله خطيبا مفوها، يتمتع بفصاحة اللغوي، وحجة المتبحر، كما كان يتميز باستخدامه السلس للغة العربية، وتعبيراته الرائعة، ومفرداته البديعة وصوته المميز وهو أحد رواد الدراسات اللسانية في العالم العربي.

عرفته كلية دار العلوم بجامعة القاهرة أستاذا بارعا، وعرفه جامع عمر بن العاص في القاهرة خطيبا ناصحا، وعرفته جامعة الملك فهد للبترول و المعادن محاضرا مخلصا، وعرفته المكتبة العلمية الإسلامية كاتبا متمرسا ومترجما متميزا، بأكثر من سبعين كتابا.
كان الدكتور عبد الصبور شاهين شاهدا على عصره فاعلا في الشأن العام إعلاميا وسياسيا بنشاط تشهد به أروقة مجلس الشورى المصري حيث كان عضوا به.
كان رحمه الله له دوره الدفاعي عن الإسلام، الذي تمثل في البرامج الإذاعية والتليفزيونية التي شارك فيها، ومقالاته وتصريحاته للصحف التي رد فيها على كثير من الخصوم الذين حاولوا النيل من الدين الحنيف، في غمرة بعض الأحداث المؤسفة، التي كان يستغلها هؤلاء الخصوم، ويلاحظ أنه كان صلبا أمام الهجمات العاتية التي قادها بعض المنتسبين إلى النخب الموالية للغرب، والكارهة للإسلام.
نشأته
ولد الدكتور عبد الصبور شاهين في 18 مارس1929 م بحي الإمام الشافعي بالقاهرة، في أسرة تنتمى إلى العلم بمفهومه الديني، فوالده الشيخ محمد موسى موسى على شاهين - رحمه الله - قد تخرج في الأزهر، وجده الأكبر شاهين بك زعيم المماليك إبان حكم محمد على باشا، وأول من قتل في مذبحة القلعة، ووالدته - رحمها الله - من ريف المنصورة من قرية اسمها (الخيارية)، وهى نفس القرية التي خرج منها الوالد إلى الأزهر الشريف، وهى من أسرة عريقة، فأمها ذات علاقة قربى بالشاعر الكبير إسماعيل باشا صبري، فهو خالها .
دخل عبد الصبور شاهين الكتاب في سن الثالثة، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في السادسة وثمانية أشهر، فقد وهبه الله حافظة لاقطة، فكان يكفيه أن يكتب اللوح ثم يقرأه مرة واحدة، ثم دخل المعهد الأزهري الابتدائي ثم الثانوي وحصل على الشهادة الثانوية الأزهرية 1951م .
فى عام 1943م وهو يصلى مع والده الذى كان إمام وخطيب مسجد الإمام الشاطبي في المقطم؛ وأثناء الخطبة أحس بضعف في عينه أعاقه عن القراءة، فنادى ابنه عبد الصبور ليصعد إلى المنبر، ويتم الخطبة ويصلى بالناس ففعل.
ولأن الأزهر حينها كان لا يدرس لغات أجنبية، قرر أن يتعلم اللغة الفرنسية فدخل مدرسة الرابطة الفرنسية، ومكانها في حي الغورية، قال عنها في مذكراته: كانت فرنسا حريصة على نشر لسانها الفرنسي، فأنشأت هذه الرابطة التي كانت فروعها أكثر من ثلاثمائة وستين فرعا منتشرة في أنحاء العالم لتعليم شعوبه اللسان الفرنسي، وأتم الدراسة في المدرسة الفرنسية وهو فى السنة الرابعة بالمعهد الديني، وأراد مواصلة الدراسة العليا، ثم علم بوجود كلية للحقوق الفرنسية في حي المنيرة، فتقدم لها مستمعا حتى يحصل على الثانوية، وكانت الدراسة بها ثلاث سنوات.
ثم دخل كلية دار العلوم التي كانت بالقرب من الحقوق الفرنسية ، فكان يذهب لدار العلوم صباحا، وللحقوق مساء، ولما أتم سنتين بالحقوق؛ صدر قرار بامتحان طلبة الليسانس بباريس، وسبب ذلك أن دكتور طه حسين- وزير المعارف آنذاك – ألغى وجود هذه الكلية بمصر ردا على عدم موافقة فرنسا على إنشاء معهد فاروق الأول فى الجزائر، ولم يذهب لباريس لأنه كان في السنة الثانية من كلية دار العلوم.
تخرج عبد الصبور شاهين من كلية دار العلوم سنة 1956م، ثم أخذ دبلوما من كلية التربية عام 1957م ثم حصل في سنة 1962م على الماجستير برسالة في " الأصوات في قراءة أبي عمرو بن العلاء "، نشرها فيما بعد بعنوان " أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي "، وحصل في سنة 1965م على الدكتوراة برسالة في " دراسة صوتية في القراءات الشاذة "، نشرها فيما بعد على كتابين بعنواني " تاريخ القرآن " و" القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث. "

حياته العملية

عمل الدكتور عبد الصبور شاهين أستاذا بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، كما عمل في جامعة الكويت إبان إنشائها معارا من جامعة القاهرة، من عام 1969 إلى 1973.
وسافر معارا مرة ثانية للعمل في جامعة البترول والمعادن (الملك فهد حاليا) من عام 1979 إلى 1983.
كانت له اتجاهات صحفية أثناء دراسته في المعهد الديني، وعمل فى مؤسسة أخبار اليوم ومجلة روز اليوسف، وغيرهما، حتى إذا دخل دار العلوم اختاره اتحاد الطلبة بها ليرأس تحرير مجلة الاتحاد، فقام بها كاملة تقريبا.
دخل سجون عبد الناصر مرتين، الأولى عام 1955، ومكث في الاعتقال مدة عام كامل، فتأخر بذلك تخرجه سنة كاملة. أما المرة الثانية فكانت عام 1965، عندما صار له أسرة وأولاد، وقد ذكر تفاصيل هاتين الرحلتين في مذكراته و كان سبب الاعتقال انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين.
تزوج عبد الصبور شاهين عام 1960م، من خريجة من دار العلوم، وكانت المحجبة الوحيدة في الكلية في ذلك الزمان، عاشا معا خمسين سنة وعدة شهور، ضرب بحياتهما المثل في الوفاق والوئام والمودة والإنتاج العلمي، فقد أخرج مع زوجته السيدة إصلاح عبد السلام الرفاعي، أكثر من عشرة كتب، منها موسوعة أمهات المؤمنين، وصحابيات حول الرسول، وموسوعة مصر في الإسلام وغيرها.

اعتلى عبد الصبور شاهين منابر عديدة عبر حياته في الدعوة، فخطب في مسجد مصطفى محمود لثلاث سنوات، ثم كانت مرحلة الخطابة في مسجد عمرو بن العاص واستمرت أكثر من عشرة أعوام بعد الشيخ محمد الغزالي، أتبعها ببناء مسجد بجوار منزله بحدائق الأهرام بالجيزة، وخطب على منبره عشرة أعوام أخرى، و خلال 15 سنة أتم تفسير أكثر من ثلاثة أرباع القرآن الكريم في الخطبة الأولى من كل جمعة.
سافر عبد الصبور شاهين إلى معظم بلاد العالم، وكانت السفرات كلها لمؤتمرات أو محاضرات أو تسجيلات أو تبادل زيارات، كما كانت سفرته إلى الصين وهو عضو بمجلس الشورى، كذلك سافر لزيارة الجاليات المسلمة في أمريكا وأستراليا والهند و غيرها.
شارك في برامج التلفزيون المصري إبان افتتاحه، ببرامج خاصة وأحاديث ومشاركات، كذلك في كثير من التلفزيونات العربية، وتعد هذه الأعمال بآلاف الساعات التلفزيونية
أشرف على مئات الرسائل العلمية من دكتوراه وماجستير، في جامعة القاهرة والجامعات المصرية والجامعات العربية، وفي معاهد البحوث والدراسات الإسلامية والأفريقية.

ترجماته
كانت بدايته في الترجمة عن الفرنسية، أنه تقابل مع المفكر المسلم الجزائري مالك بن نبي، والذى عرفه به طالب من المغرب حينذاك (عبد السلام الهراس) وشاءت إرادة الله أن تفتح له باب الترجمة على مصراعيه، فبدأ ترجمة كتب المفكر الجزائري الذى يعيش في مصر هربا من الاستعمار الفرنسي في بلاده، ومن أشهر هذه الترجمات:
1- الظاهرة القرآنية، 1958م.
2- وجهة العالم الإسلامي 1981م.
3- فكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونج 1957م.
4- مشكلة الثقافة 1959م.
5- ميلاد مجتمع: شبكة العلاقات الاجتماعية، الطبعة الأولى بلا تاريخ، والثانية 1962م، والثالثة 1986م.
6- شروط النهضة، (بمشاركة عمر كامل مسقاوي) 1960م.
و من ترجماته:
1- العربية الفصحى: دراسة في البناء اللغوي سنة 1966م لهنري فليش اليسوعي
2- علم الأصوات: لبرتيل لمبرج 1984م، ولعله أول من عرف الأوساط الدراسية اللغوية في العالم العربي بهذا اللساني السويدي المعاصر.
3- ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية ) لروجيه جارودي
لكن أهم مساهمة في الحقيقة لعبد الصبور شاهين في الثقافة المعاصرة، تتمثل فيما قاله: إن أعظم عمل يرجو من الله سبحانه أن يقبله ويثيبه عليه هو ترجمته للدراسة الرائدة التي كانت في أصلها أطروحة الدكتوراه للعالم الرباني محمد عبد الله دراز- رحمه الله - (دستور الأخلاق في القرآن الكريم) سنة 1973م.

مؤلفاته:
كان الدكتور عبد الصبور شاهين صاحب إنتاج غزير فقد صدر له أكثر من سبعين كتابا ما بين مؤلفات وترجمات، أكبرها مفصل لآيات القرآن في عشرة مجلدات، وأحدثها مجموعة نساء وراء الأحداث 10 كتب.
نذكر من مؤلفاته :
1- القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث 1966م.
2- أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: أبو عمرو بن العلاء 1987م.
3- عربية القرآن 1997م.
4- في علم اللغة العام 1990م.
5- في التطور اللغوي 1991م.
6- العربية لغة العلوم والتقنية 1982م.
7- دراسات لغوية 1976م.
8- المنهج الصوتي للبنية العربية: رؤية جديدة للصرف العربي 1977م.
9- التحديات التي تواجه اللغة العربية صدر عام 2002م.
10- النهوض باللغة العربية في مختلف المراحل التعليمية" صدر عام 2001م.
11- الإعلام في خدمة الدعوة الإسلامية صدر في عام 2001م.
12- قضية التدريس باللغة العربية في المعاهد العلمية صدر عام 1996م.
13- ماذا أعدت مصر لنفسها بعد أكثر من زلزال صدر عام 1996م.
14- مصر في الإسلام 3 مجلدات بالاشتراك مع زوجته.
15- قصة أبو زيد، وأنصار العلمانية في جامعة القاهرة صدر عام 1996م.
16- تعدد الزوجات دفاع عن الأمن الأخلاقي صدر عام 1997م.
17- صحابيات حول الرسول صلى الله عليه وسلم، صدر عام 1993م.
18- الإسلام دين السلام: رسالة إلى الضمير الانساني صدر عام 2004م.
19- تاريخ القرآن: دفاع ضد هجمات الاستشراق صدر عام 2006م.
20- مفصل آيات القرآن ترتيب معجمي بالاشتراك مع زوجته 1991م.
21- موسوعة أمهات المؤمنين : دراسة في سيرهن ومروياتهن بالاشتراك مع زوجته 1991م.
22- نساء وراء الأحداث بالاشتراك مع زوجته.
23- صفحات من حياة الدكتور إبراهيم مدكور بالاشتراك مع الدكتور سراج الدين إسماعيل.
24- تأملات في سورة العنكبوت.
25- قصة الدين والنبوة في مصر قبل الإسلام 1996م.

ومن أشهر مؤلفاته كتابه الشهير(أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة) حيث إن هذا الكتاب الذي ذكر أنه ألفه في 25 عاما أثار ضجة كبيرة بعد أن طرح فيه وجهة نظر جديدة حول خلق سيدنا آدم عليه السلام عارضه فيها كثير من العلماء وردوا عليه
وبعد وفاته صدر آخر مؤلفاته بعنوان "حديث الأيام" عن دار مدبولي والكتاب عبارة عن مذكراته الشخصية والتي قام بكتابتها من المقدمة حتى الخاتمة .
وفاته:
بعد حياة حافلة بالعمل والإنتاج والفكر والخطابة والدعوة؛ توفي الدكتور عبد الصبور شاهين مساء الأحد 17 شوال 1431 هـ ، الموافق 26 سبتمبر 2010 م، عن عمر ناهز 82 عاما، وصلي عليه في اليوم التالي في مسجد عمرو بن العاص؛ بناء على وصيته، ودفن في مقابر أسرة شاهين بالإمام الشافعي، رحمه الله و أعلى قدره و أنزله منازل الأبرار .
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة