بالعدل تستقيم الحياة

0 1002

إن العدل هو ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق؛ فهو إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه.
والعدل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، به تعمر البلاد وتنمو الأموال، ومعه يكبر النسل، ويأمن السلطان.
قال الماوردي في أدب الدنيا والدين: (إن مما تصلح به حال الدنيا قاعدة العدل الشامل، الذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النسل، ويأمن به السلطان.
وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنه ليس يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل).
ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم تكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة).
وقال: (إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم لا يباح بحال).

وقد روى الطبراني عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدس الله أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع".
ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم عد العدل من المنجيات حين قال: " وأما المنجيات: فالعدل في الرضا والغضب.."
ولما كان العدل بهذه المكانة السامية والمنزلة العالية والمكانة الرفيعة، رأينا الشريعة المطهرة تأمر به وتعلي من شأنه وتحث عليه.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} (النساء:135)، وقال عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}(المائدة:8).
ونجد هنا أمرا من الله تعالى للمؤمنين أن يكون العدل خلقا من أخلاقهم، وسجية من سجاياهم؛ وذلك لأن صيغة (قوام) هي صيغة مبالغة، تدل على أن العدل من الأخلاق المتمكنة فيه.
وفي نص كلي جامع يقول الله عز وجل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}(النحل:90).

بعض المجالات التي يدخل فيها العدل:
إننا مطالبون بالعدل في كل شيء، لكننا نشير هنا إلى بعض المجالات التي ينبغي فيها الحرص على تحري العدل والعمل به، ومنها:
الولاية على الناس وحكمهم:
فيجب أن نتبع فيها قواعد العدل، ومن العدل فيها: إعطاء المستحقين ومنع غيرهم، وإتاحة الفرص لجميع الأفراد بحسب كفاياتهم.
ومن العدل فيها: إسناد الأعمال إلى أهلها القادرين على القيام بها.
ولهذا كان من الذين يظلهم الله في ظله: "إمام عادل". وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من يعدلون في ولايتهم بالمكانة العالية والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى حين قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن -عز وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". ووعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة دعوتهم إن عدلوا في حكمهم وسياستهم لرعيتهم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم.".

العدل في القضاء:
ويكون بالفصل بين الخصماء على أساس العدل لا على المحاباة، والتسوية بين الخصوم في مجلس القضاء، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم، يعني على سبيل المساواة بينهما في المجلس، وكذا يكون العدل في القضاء بإقامة الحدود والجزاءات والقصاص.
يقول الله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}(النساء:58).
وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكمتم فاعدلوا..".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم ، فهو في النار..".
العدل في الشهادة:
ويكون العدل فيها بأن يشهد بما رأى أو سمع ولا يكتم الشهادة، {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم}(البقرة:283).
ويشهد بالحق فلا يحمله على مخالفة الحق قرابة أو حب أو بغض لقوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا..}(الأنعام:152). ولا يشهد بما يخالف الواقع، فإن شهد بما يخالف ذلك فهو شاهد زور، قال الله عز وجل: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما}(الفرقان:72). وقد عد النبي شهادة الزور من أكبر الكبائر.

العدل في معاملة الزوجات:
بأن يعطي كلا منهن نصيبها من النفقة والسكن والمبيت، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك العدل بين الزوجات: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهن جاء يوم القيامة وشقه مائل". وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا". وعنها رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب.

العدل في معاملة الأولاد:
وذلك بأن يسوي بينهم في العطية والتربية، وغير ذلك مما يملكه الإنسان. قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".
ولما جاء والد النعمان بن بشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده على عطيته للنعمان من ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان؟" قال: لا، قال: "فأشهد على هذا غيري" قال: "أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذا".
إن هذه المجالات التي سبق الإشارة إليها ليست إلا نماذج وأمثلة لما يكون فيه العدل، وإلا فإن المسلم مطالب بالعدل في أموره كلها، بل إنه مطالب بالعدل حتى مع أعدائه: {وأمرت لأعدل بينكم}(الشورى:15).
وحين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، أرادوا رشوته، فقال: "والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض".

إننا كمسلمين حين نلتزم بالعدل خلقا وسلوكا ومنهج حياة، فإننا نشيع الأمن والطمأنينة، ونعمل على رفاهية مجتمعاتنا.
كما إننا بالعدل نبين للآخرين عظمة الإسلام وسموه، فيرغبون في التعرف على هذا الدين والدخول فيه، كما حدث مع السابقين، فاللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة