- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة، وقد بين الله تعالى هذا الأمر الذي استقر في نفوس بني آدم فقال: {وكان الإنسان عجولا}(الإسراء :11). وقال:{خلق الإنسان من عجل}(الأنبياء:37).
ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا، ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها. وإذا كان الله تعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه }(طـه:114). وهذا في تلقي القرآن فإن التأني يكون مطلوبا من الإنسان في أمور حياته كلها.
لا تـعـجـلن لأمـر أنت طـالـبــه فقلما يدرك المطلوب ذو العجل
فذو التأني مصيب في مقاصـده وذو التعجل لا يخـلو عن الزلل
والأناة المطلوبة، تمتاز بالتثبت والتمهل والبعد عن التعجل والتسرع، لما للتعجل والتسرع من عواقب سلبية وخيمة. قال العلامة المناوي رحمه الله: (العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب، وذلك موقع في المعاطب، وذلك من كيد الشيطان ووسوسته).
قال النابغة:
الرفق يمن والأناة سعادة فتأن في رفق تلاق نجاحا
التأني من الله والعجلة من الشيطان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "التأني من الله والعجلة من الشيطان"رواه أبو يعلى.
و إذا كان التأني من الله ، فإن الله يحبه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة".(البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن سرجس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة".
نبي الله يوسف عليه السلام
تأنى نبي الله يوسف -عليه السلام- من الخروج من السجن حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك.قال تعالى: {وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم} (يوسف: 50).
قال ابن عطية: (هذا الفعل من يوسف -عليه السلام- أناة وصبرا وطلبا لبراءة الساحة).
قال زهير:
منا الأناة وبعض القوم يحسبنا أنا بطاء وفي إبطائنا سرع
أمور وأحوال يتأكد فيها التأني
التأني مطلوب في كثير من الأحوال والمواقف التي تمر على الإنسان، ومن هذه الأحوال التي يتطلب فيها التأني:
التأني في الدعاء
ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه، أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: " عجلت أيها المصلي "، وسمع رجلا يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ادع تجب وسل تعط".
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطئ الإجابة ، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي".
التأني في القضاء والفتوى
ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع، فيسمع من الثاني كما سمع من الأول ؛فإنه أحرى أن يتبين له القضاء.
عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا، فقلت يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: "إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الاخر كما سمعت من الأول؛ فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال علي: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد.
وكذلك التأني في الفتوى، قال مالك بن أنس: (العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، قال: وكان يـقال: التأني من الله، والعجلة من الشيطان). وقال بعضهم: (كان أسرعهم إلى الفتيا أقلهم علما وأشدهم دفعا لها أورعهم). قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون).
وقد ذكر أن ابـن عمر رضي الله عنهما كان يسأل عن عشر مسائل فيجيب عن واحدة ويسكت عن تسع.
التأني عند وصول الأخبار
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}(الحجرات: 6).
وفي الآية دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب، فإذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول المخبر فيجب أن تتثبت، وألا تتسرع في الحكم؛ لأنك ربما تتسرع وتبني على هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد.
عند الذهاب إلى الصلاة
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرجال، فلما صلى قال: "ما شأنكم؟" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: "فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
التأني في طلب العلم
قال تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}(القيامة: 16).
قال ابن القيم في هذه الآية: (ومن أسرارها -سورة القيامة-: أنها تضمنت التأني والتثبت في تلقي العلم، وأن لا يحمل السامع شدة محبته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلم بالأخذ قبل فراغه من كلامه، بل من آداب الرب التي أدب بها نبيه أمره بترك الاستعجال على تلقي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل من قراءته، ثم يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلمه حتى يقضي كلامه).
التأني المذموم
على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلا وشرعا ، فإن هناك نوعا منه ليس من التأني الممدوح، إنه التأني في أمر الآخرة، وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" التؤدة (أي التأني والتمهل) في كل شيء إلا في عمل الآخرة " أخرجه الحاكم.
بين التأني والكسل والتراخي
ليس التأني الذي نقصده، هو ذاك التباطؤ الذي يحول دون تحقيق الإنجاز، أو يؤدي إلى تأخيره بحيث تنعدم الفائدة ويفوت المقصود، فهناك فرق بين التأني المعتمد على البحث والتقصي والنظر والمشاورة، وبين ذاك الذي سببه الكسل وعدم وجود الحرص والدافعية لإنجاز الأعمال وتحقيق التكاليف المطلوبة.
إن التأني أمر متوسط بين التسرع من جهة وبين الكسل والتراخي والخمول من جهة أخرى، وهو أمر نسبي ينبغي تقديره بناء على حال الشخص، والفعل المكلف به، والظروف الراهنة، إلى غير ذلك من الأمور والاعتبارات.
إن البعض قد اتخذ من شعار التأني والتمهل، أداة لقتل كل فكرة إبداعية، وكل مشروع طموح، وكل مبادرة جريئة، وما كل هذا إلا لوجود الكسل الذي يحول دون الاطلاع والتحري والدراسة، ناهيك عن استخدامه كشماعة لتغطية صور القصور والإهمال والترهل التي وصل إليها ذلك المحبط ذو الدور السلبي الهدام. الأمر الذي ينشر في محيطه عوامل الضعف والتراجع والانهزام.
من فوائد التأني
لا شك أن التأني له الكثير من الفوائد التي ينتقع بها من اتصف به، ومنها:
أنه يعصم الإنسان من الضلال والخطأ
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (الأناة: التأني في الأمور وعدم التسرع، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزل بسبب التعجل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك. فمن الناس -مثلا- من يتخطف الأخبار بمجرد ما يسمع الخبر يحدث به، ينقله،.. ومن الناس من يتسرع في الحكم، سمع عن شخص شيئا من الأشياء، ويتأكد أنه قاله، أو أنه فعله ثم يتسرع في الحكم عليه، أنه أخطأ أو ضل أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التأني في الأمور كله خير).
صيانة للإنسان من الأخلاق المذمومة
قال ابن القيم: (إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت: إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة، والرفق والأناة بينهما),
قال الغزالي: (الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة، والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل، والعجلة تمنع من ذلك، وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري).
ونختم بما قال أبو إسحاق القيرواني: (قال بعض الحكماء: إياك والعجلة؛ فإن العرب كانت تكنيها أم الندامة؛ لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويقطع قبل أن يقدر، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم قبل أن يخبر، ولن يصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة، واعتزل السلامة).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.