أيها الدعاة.. رفقا بالمدعوين

0 587

روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه].

وفيه أيضا عنه صلوات الله وسلامه عليه قال: [إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه].

وإذا كان الله سبحانه [يحب الرفق في الأمركله].. كما جاء في صحيح البخاري.. فإن أعظم ما يدخله الرفق هو دعوة الناس للإيمان والإسلام والعمل الصالح، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا كان أولى الناس بالتحلي بهذا الخلق وأحوجهم إليه هم الدعاة؛ فإن عند الناس من الهموم ما يكفيهم، وهم بحاجة إلى من يواسيهم لا من يعنفهم.

وعلينا ألا ننسى أن البشر مخلوقات عاطفية تجذبهم الكلمة الطيبة وينفرهم التوبيخ والتقريع، وعند كل واحد منهم من الاعتداد بنفسه ومواهبه وإمكاناته ما يجعله يرى في الكلمة القاسية عدوانا على كرامته ومجاله الخاص.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق ما يحتاجه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: "فلا بد من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق ومعه الصبر بعده.. وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعا: (لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فيما ينهي عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقا فيما ينهي عنه؛ حليما فيما يأمر به؛ حليما فيما ينهي عنه).

والداعية إلى جانب إيثار الكلمة الرقيقة والأسلوب العذب يؤثر أيضا التشبيهات الجميلة، ويبتعد عن الأمثال والتشبيهات القبيحة أو المنفرة؛ وقد يستخدم البعض أحيانا تشبيهات وأساليب وكلاما الصمت خير منه بكثير!

إن على الداعية أن ينتقي ألفاظه كما أمره الله تعالى: {وقولوا للناس حسنا}، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، فانتقاء أحسن الكلام، وأحسن الألفاظ، وأحسن الطرق والتعبيرات كل ذلك مأمور به الإنسان، فكيف بالداعية إلى الله الذي يريد أن يحبب الله إليهم ويحببهم إليه؟

إن قولنا: "هذا خلاف الواقع" يؤدي عين المعنى الذي يؤديه قولنا: "هذا كذب"، لكنه أرفق وألطف.
وإن قولنا : "ما رأيكم لو علمنا كذا" ألطف من قولنا: "اعملوا كذا، وكفوا عن كذا".
وقد كان هذا منهجا نبويا مصطفويا فكثيرا ما كان يقول: [لو أن أحدكم إذا فعل كذا قال كذا]، أو [إذا أراد أحدكم أن يفعل كذا فليقل كذا وكذا]، [إن الله يحب أو قال يرضى للعبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها]، وأشباه هذا من الكلام.. وقد كان يمكنه أن يقول: قولوا كذا، أو افعلوا كذا، أو آمركم بكذا.. 

إن صيغة الأمر والنهي لم تعد مقبولة في كل موضوع؛ فالحضارة الحديثة وسعت دائرة الخصوصيات والحرية الشخصية إلى أبعد حد ممكن، وإن من واجبنا أن نشعر المخاطب أننا لا نتعدى على أي منهما.
فالرفق الرفق فإن [من يحرم الرفق يحرم الخير كله](رواه مسلم). وقد قال الله تعالى لنبيه صلوات الله عليه: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران:159). فكيف بمن دونه؟
جاء في ظلال القرآن عند تفسير هذه الآية: 
( فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى العطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا...

وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس؛ ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة.

هذه هي صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عز وجل بالتأسي به، واقـتـفاء أثره، وهي نموذج لكل داعية يريد دعوة الناس إلى الخير، ويحببهم فيه، ولكن مع ذلك بعضنا يفرط في هذه الصفات، ويصدر منه من المواقف والتصرفات ما ينم عن الغلظة، والفظاظة، وعدم الحلم، وسعة الصدر، متمثلا في تقطيب الوجه، وانقباض النفس، وفقدان الرفق والأناة، ومعلوم ما ينتج عن ذلك من نفرة الناس وكرههم لمن هذه أخلاقه، فوق ما في ذلك من الإثم وحرمان الأجر.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق].
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة