نصرة المظلوم واجب شرعي وإنساني

0 794

كم في الناس من ذوي الحاجات وأصحاب الهموم وصرعى المظالم وجرحى القلوب ‍!! الذين لم يجدوا من يطرق بابهم، أو يسأل عن حالهم، أو يسعى في كشف الغم عنهم بدافع من خلق النصرة.
ونعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف، أو لمد يد العون إليه.
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع كان منها (نصر المظلوم) ففي الحديث الشريف : "أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع ..، فذكر عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القسم".(رواه البخاري).
وليس من شأن المسلم أن يرتضي لنفسه إيقاع الظلم بأخيه، أو أن يدع أخاه فريسة بيد ظالم يذله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمـا ستره الله يوم القيامة".(رواه البخاري).
فهل بعد هذا ترى مصيبة واقعة بأخيك وتسلمه لها وتخذله فيها؟ أم تحتقن دماؤك في عروقك ولا يروق لك نوم حتى تبذل ما تستطيع من جهد لكشف ما نزل من ضر بأخيك؟

كيف ينصر الله أمة لاتنصر ضعيفها
إن الأمة التي لا تنتصر للضعفاء ولا يؤخذ فيها على أيدي الظالمين لهي أمة غير جديرة بنصرة الله ومعيته وتطهيره لها من الآثام، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر، قال: "ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟". قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم -يا غدر- إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟".
قال السندي: (يقدس الله) أي: يطهرهم من الدنس والآثام.
وقال المناوي: (استخبار فيه إنكار وتعجب، أي: أخبروني كيف يطهر الله قوما لا ينصرون العاجز الضعيف على الظالم القوي، مع تمكنهم من ذلك؟ أي: لا يطهرهم الله أبدا).

من نصر نصر ومن خذل خذل
والقائم بحق النصرة أو المتخاذل عنها؛ كل منهما يلقى ثمرة ذلك - في الدنيا والآخرة - جزاء وفاقـا كما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من امرئ يخذل امرءا مسلمـا عند موطن تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءا مسلمـا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".(رواه أحمد وحسنه الألباني).
نصرة الظالم بمنعه من الظلم:
لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر، وأراد الإسلام لهذا الخلق أن يستمر بوجهه الخير معطيـا له معنى جديدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "انصر أخاك ظالمـا أو مظلومـا ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومـا ، أفرأيت إذا كان ظالمـا كيف أنصره ؟ قال : تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره". (رواه البخاري).
ولله در القائل:
وكم ظالم نالته مني غضاضة      لنصرة مظلوم ضعيف جنان
فإن كنت تنصر قومك وعشيرتك وعصبتك، وتمنعهم بكل الوسائل من إيقاع ظلم بمسلم - منهم أو من غيرهم - فتلك هي النصرة، وإلا فهي العصبية المقيتة المنتنة التي أمرنا بأن ندعها، وقد قال في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشبهـا حال صاحب العصبية ببعير هلك: "من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي، فهو ينزع بذنبه". (رواه أبي داود).
والقادر على النصرة لأخيه المسلم بكلمة أو شفاعة أو إشارة بخير، إن لم يقدمها مع قدرته على ذلك وهو يرى بعينه إذلال أخيه، ألبسه الله لباس ذل أمام الخلق يوم القيامة؛ لتقصيره في نصرة أخيه، ورفع الذل عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أذل عنده مؤمن فلم ينصره - وهو قادر على أن ينصره - أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة". (رواه أحمد) .
نصرة المسلم في غيبته:
والمبادرة إلى نصرة الأخ في الله في الدنيا - وخاصة في حال غيابه حيث تسقط المجاملات وتظهر حقيقة المشاعر، وتخلص النصرة لله - يكون من ثمرتها أن يسخر الله للناصر من يقف إلى جانبه وينصره في الدنيا ويتولاه الله في الآخرة، كما في الحديث : "من نصر أخاه بظهر الغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة".(صحيح الجامع/6574).

منع الظلم يمدح به غير المسلم ؛ فالمسلم أولى:
وإذا كان منع ظلم الملوك بنصرة المستضعفين خلقـا يتجمل به غير المسلمين ، فالمسلمون به أولى وأحرى ، وقد وصف عمرو بن العاص الروم بخصال استحسنها فيهم، فقال : " إن فيهم لخصالا أربعـا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك".
في الإعانة على الباطل غضب الله:
ومن كانت نصرته بصورته الجاهلية نصرة على الباطل، ودورانا مع العصبية، وإعانة على الظلم، فقد غضب الله عليه، كما في الحديث: "من أعان على خصومة بظلم - أو يعين على ظلم - لم يزل في سخط الله حتى ينزع" .
وإذا نظرت إلى حال أكثر الخلق اليوم وجدت أنه قد صدق فيهم قول القاضي سعد بن محمد الديري (ت 867):
ذهب الألى كان التفاضل بينهم        بالحلم والإفضال والمعروف
يتجشمون متـاعبا لإعـانـة الــ         ـمظلوم أو لإغاثة الملهـوف
وأتى الذين الفخر فيهم منعهـم          للسائلين وظلـم كل ضعـيف
فتراهـم يتـرددون مـع الهـوى        قد أعرضوا عن أكثر التكليف.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة