الغلو في التقليد سبب الضلال والعمى

0 923

إذا تأملت سير الأمم ونظرت في أحوال المعاندين للأنبياء والمرسلين لوجدت أن أحد أهم أسباب كفر هؤلاء بالأنبياء ودعوتهم، وردهم لما جاءوا به من الهدى هو تقليد هؤلاء الكفار لآبائهم، قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا }(المائدة: 104). وقال تعالى: { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون }(المائدة: 104).
فهؤلاء الكفار المعاندون كانوا إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد، قال الله تعالى: { أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا} أي: لا يفهمون حقا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟! لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم، وأضل سبيلا.
كما أخبر الله سبحانه عن قوم موسى عليه السلام حين دعاهم إلى الله تعالى وترك الشرك كان جوابهم: {أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين}(يونس: 78). فجعلوا أقوال وأفعال آبائهم الضالين حجة، يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام.
أما قوم إبراهيم عليه السلام فإنهم برروا عبادتهم للأصنام بقولهم: {وجدنا آباءنا لها عابدين}(الأنبياء: 53). و{قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} (الشعراء: 74).
قال ابن كثير: (لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال).
وقال: (يعني: اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يهرعون).

هذا التقليد الأعمى الذي لا يقوم على دليل هو واحد من أعظم موانع الإيمان، كما قال الله تعالى: { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}(البقرة:170).
يقول العلامة السعدي رحمه الله: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله -مما تقدم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالا، وهذه شبهة -لرد الحق- واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعا، واتبعه إن كان منصفا).
ونظرا لخطورة التقليد بغير دليل ولا بصيرة فقد كان العلماء يحذرون منه، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر ؛ وإن كنتم لابد مقتدين، فاقتدوا بالميت؛ فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة).
وقال رضي الله عنه: (ليوطنن المرء نفسه على أنه إن كفر من في الأرض جميعا لم يكفر، ولا يكونن أحدكم إمعة، قيل: وما الإمعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع الناس؛ إنه لا أسوة في الشر).
وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (اتبع طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتـر بكثرة الهالكين).
وقال ابن القيم رحمه الله: (وكانوا يسمون – أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة ... وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح).
وهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: (إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتركوا قولي).
وكان الإمام مالك رحمه الله يقول: (ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم). ويقول: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
أما الإمام الشافعي رحمه الله فكان من أقواله: (أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد). ويقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).
وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول: (من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة).

من صور التقليد المذموم:
جاء في موسوعة نضرة النعيم من صور التقليد المذموم ما ملخصه:
(- الذي يقلد غيره في أصل عقيدته، كما فعل قوم إبراهيم وغيرهم.
- الذي يقلد غيره في أخلاقه ولو ساءت، كما ذكر الله تعالى عن أهل الجاهلية في قوله: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 28).
- الإمعة في فروع الدين، ومن ذلك: التعصب المذهبي، كالذي يقلد غيره في العبادات حتى لو أخطأ وظهر له الدليل على خطئه.
- التشبه بالكفار في عاداتهم وتقاليدهم، وهذا واضح في تقليد كثير من المسلمين لغيرهم في كثير من العادات والتقاليد، حتى حققوا في ذلك وصف الإمعة، وإليك بعض الأمثلة:
عيد الأم، عيد شم النسيم، عيد الحب... وغيرها. فكل ذلك من العادات التي غالبا ما يسأل عنها فاعلوها، فيقولون: هكذا يفعل الناس!!

-التبعية السياسية، مثل ما يطالب به الكثيرون اليوم من جعل الدولة مدنية على غرار مدنية الغرب التي تعني إقصاء الدين.
- مسايرة الواقع:
ومن صور الإمعة والتقليد على غير هدى: فتنة مسايرة الواقع، فهي كثيرة ومتنوعة اليوم بين المسلمين، وهي تترواح بين الفتنة وارتكاب الكبائر أو الصغائر، أو الترخص في الدين، وتتبع زلات العلماء؛ لتسويغ المخالفات الشرعية الناجمة عن مسايرة الركب، وصعوبة الخروج عن المألوف، واتباع الناس إن أحسنوا أو أساؤوا. ومن هذه حاله ينطبق عليه وصف الإمعة).

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من التقليد الأعمى ويخاف عليهم عاقبة تقليد الأمم التي حادت عن نهج الأنبياء والمرسلين فيقول: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه...".
فينبغي علينا أن نحذر هذه الآفة التي انتشرت في الأمة انتشار النار في الهشيم؛ فأصبحت تابعة منقادة لغيرها مقلدة لأمم الشرق والغرب في كثير من أمورها، حتى أصبح الدين غريبا، والمتمسكون به غرباء.
كما ينبغي الاهتمام بالعلم الشرعي القائم على الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأمام أعيننا قول ربنا تبارك وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ۚ على بصيرة أنا ومن اتبعني ۖ وسبحان الله وما أنا من المشركين}(يوسف:108).
نسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة في الدين وحسن التأسي بخير الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة