- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مساوئ الأخلاق
إن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا ينبغي للعبد أن يظن أنه قادر على الخداع والمراوغة؛ فإن الله محيط بما يبدي وما يخفي.
وقد ذم الله تعالى المنافقين الذين يبطنون خلاف ما يظهرون فقال: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} (البقرة: 9). والمراد بقوله تعالى: {وما يخدعون إلا أنفسهم} الإشعار بأنهم لـما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين أنفسهم، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن. وأما من عرف البواطن: فمن دخل معه في الخداع، فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك.
وقد فضح الله طائفة من أهل الكتاب كان ديدنهم الخداع وعقيدتهم الكذب وهديهم الضلال ودينهم الفجور فقال عنهم: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون}(آل عمران:72). فهم يتظاهرون بالإيمان من قبلهم أول النهار ويكفرون به آخره، وذلك لقصد الإيهام وإدخال الريب والشك في نفوس المسلمين حسب زعمهم ولؤم طبائعهم، ومن هنا يرتد عن الإسلام من آمن بالإسلام من العرب؛ حيث قالوا: لعلهم يرجعون : أي يرتدون عن الدين، وهذا هو دأبهم ومكرهم بالمسلمين من زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أوضح سبحانه وتعالى تضليلهم الماكر وحيلهم المتتالية وكيدهم المستمر ومراوغتهم الواهية؛ قال عز وجل: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}(آل عمران: 78).
وقاية الله للمؤمنين الأوفياء:
قد يكون بين المسلمين وغيرهم من الأمم الأخرى عهد أو هدنة أو صلح، وقد يكون الطرف الآخر يفعل ذلك من باب الخدعة لينقض على المؤمنين وينال منهم وهم غافلون، لكن الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحال بوقايته شر الخيانة، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} (الأنفال: 62).
قال ابن عاشور رحمه الله: (لـما كان طلب السلم والهدنة من العدو قد يكون خديعة حربية، ليغروا المسلمين بالمصالحة، ثم يأخذوهم على غرة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال، فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصدق؛ لأنه الخلق الإسلامي، وشأن أهل المروءة، ولا تكون الخديعة بمثل نكث العهد، فإذا بعث العدو كفرهم على ارتكاب مثل هذا التسفل، فإن الله تكفل -للوفي بعهده- أن يقيه شر خيانة الخائنين. وهذا الأصل، وهو أخذ الناس بظواهرهم).
من صور الخداع:
1- خداع المنافقين بإظهارهم للإسلام وإبطانهم للكفر:
قال تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} (البقرة: 9). وقال: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} (النساء: 142).
2- الخداع في المعاملات المالية، كالبيع والشراء:
وذلك بأن يخادع الناس، ويتحصل على الأمول بطرق محرمة، إما عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيد بالرديء، أو النجش وغيرها من الطرق المحرمة.
3- خداع الرعية للراعي:
خداع الرعية للراعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له إنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرا، وغير ذلك.
4- خداع الراعي للرعية:
ويقصد بالراعي؛ الرئيس، أو الحاكم، والمدير، والرجل في أهله، وغيرهم ممن لهم الرعاية على غيرهم، ويكون الخداع في حقهم بظلمهم، وعدم إعطائهم ما يستحقونه، وعدم النصح لهم.
5- خداع المرائين بالأعمال:
فهم يشابهون المنافقين في عملهم لأجل الناس.
6- خداع العمال:
بعدم إعطائهم أجرهم المتفق عليه، أو تكليفهم من الأعمال فوق طاقتهم.
7- خداع المتسولين والشحاذين:
بعض المتسولين يخدعون من يسألونه المال بحيث يظهرون بمظهر المرضى، والمعتوهين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهم ليسوا كذلك، ليستجلبوا عطف الناس عليهم، ويأخذوا أموالهم بغير وجه حق.
8- خداع النفس لصاحبها.
قد تخدع النفس الأمارة بالسوء صاحبها إذا هو هم بالخير، فتقعده وتثبطه، {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}(يوسف:53).
9- الخداع بالمدح والإطراء لشخص ما، ووصفه بالصفات الحميدة، وهو ليس كذلك. وهو كثيرا ما يكون من قبل بعض الناس لمن يرجون منه شيئا من حطام الدنيا فيكذبون في مدحه لينالوا ما أرادوا.
وإذا تأملت هذه الصفة الخبيثة -صفة الخداع- لوجدت أنها لا تقوم إلا على ساق الكذب، وقد حرم الله الكذب: " وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار..".
والخداع نوع من الغش، والغش في ديننا حرام؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ "قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا".
ومن الخديعة المحرمة النجش، وهو أن يزيد في سعر السلعة ولا يريد في الحقيقة شراءها بل يرد الإيقاع بالمشتري ليأخذها بسعر مرتفع، وفي النهي عن ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تناجشوا".
وإذا كان الرجل ممن لا يحسن البيع والشراء ويخاف الخديعة والظلم فإن له أن يشترط عدم الخديعة، عن عبد الله بن عمر، أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة".
قال النووي: (معنى لا خلابة: لا خديعة، أي: لا تحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك).
ومن كانت الخديعة صفته فهو يعرض نفسه لعقوبة الله تعالى وعذابه، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا من أهل النار ومنهم: "ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك". ومعناه: الرجل الذي لا يمر عليه زمن من الأزمان ليلا ونهارا إلا وهو يريد خداعك في أهلك بفعل الفاحشة، وفي مالك بأخذه ظلما.
أخيرا فليعلم المخادع أنه لا خير فيما اكتسبه بطريق الخداع بل هو من الحرام والسحت الذي ينبغي أن يتوب إلى الله منه، روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك هذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه.
نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يرزقنا الصدق ويجنبنا الكذب والخداع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.