- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
إن أدب العبد، وحسن خلقه، وسمو نفسه لهو عنوان سعادة العبد المؤمن في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: (وآداب المرء: عنوان سعادته وفلاحه. وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب. فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة؟
والإخلال به مع الأم- تأويلا- وإقبالا على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له، ورميه بالفاحشة؟.
وتأمل أحوال كل شقي ومفتر ومدبر: كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان؟ ).
ونقصد بالأدب: استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وبتعبير آخر: الأخذ بمكارم الأخلاق.
قال عبد الله بن المبارك: (قد أكثر الناس القول في الأدب ونحن نقول: إنه معرفة النفس ورعوناتها، وتجنب تلك الرعونات).
إن حسن الخلق والأدب هو مقام الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، والله الذي أمرنا بذلك في قوله جل وعلا: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}(الأحزاب/ 21).
إن هذا هو مقام من أراد التخلق بأخلاق الشرع الحنيف وتأدب بآداب الله التي أدب بها عباده في كتابه الكريم، وما اتصف به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال الله- عز وجل- لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم/ 4). والرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق".
ووصفت خلقه صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- بقولها: (فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن). وعن القرآن قال ابن مسعود- رضي الله عنه- (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته).
هذا هو الحال في هذه الدنيا وأما في الآخرة فلا يوجد جائزة لمن كان حسن الخلق إلا الجنة ونعيمها برفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون ".
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا".
وقال عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا".
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل "اللهم كما أحسنت خلقي أحسن خلقي".
إن العلاقة بين الأدب في التعامل مع الخلق وحسن الخلق علاقة واضحة لا ريب فيها لأن حسن الخلق هو الجانب النفسي الذي تنتج عنه الآداب الحميدة وأنواع السلوك المرضية، وحسن الخلق هو الذي يشكل قواعد السلوك أو الأدب مع الخلق.
وجماع ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
إن الإنسان إذا أحب لأخيه ما يحبه لنفسه جاهد نفسه وطرح عنها مطامع النفس الأمارة بالسوء وحبها للكنز والتكاثر، وما يجلبه ذلك من مذموم الأخلاق من طمع وكبر وحسد وظلم وغيرها من الصفات السالبة لمكارم الأخلاق ومحمودها، واستبدل عوضا عنها الحب في الله ورسوله والإيثار والكرم والجود والسخاء بالمال والتواضع وأثراها بالإنفاق والزكاة، والصدقة والجهاد، وغذاها بالإحسان والرحمة والشفقة والرأفة والعفو والرفق والوفاء والتناصر والمداراة والستر، وتوجها بالعدل والقسط والأمانة والصدق.
كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك محموده عن النسب
ويتجلى أدب العبد في مجموعة من الصور، ومنها:
1- مجانبة الكبر والإعجاب، وما ذلك إلا لأنهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب، لأن الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين، وعلاوة على ذلك فإن الكبر يكسب المقت، ويلهي عن التألف ويوغر صدور الإخوان، وأما الإعجاب فيخفي المحاسن، ويظهر المساويء، ويصد عن الفضائل.
2- التحلي بحسن الخلق: ذلك أن الإنسان إذا حسنت أخلاقه كثر مصافوه وقل معادوه، فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب، ومعنى حسن الخلق أن يكون المسلم: سهل العريكة، لين الجانب، طلق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة.
3- التحلي ب "الحياء" : الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة. وسمة الخير: الدعة والحياء، وسمة الشر: القحة والبذاء، وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا، وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا، وليس لمن سلب الحياء صاد عن قبيح، ولا زاجر عن محظور، فهو يقدم على ما يشاء، ويأتي ما يهوى.
4- التحلي ب "الحلم" : ذلك أن الحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض والجسد واجتلاب الحمد.
وللحلم أسباب تبعث عليه منها: الرحمة والقدرة على الانتصار والترفع عن السباب.
5- التحلي بصفة الصدق والتخلي عن الكذب.
6- التخلي عن الحسد: ذلك أن الحسد خلق ذميم يضر بالبدن، وفيه إفساد للدين ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء لكانت النزاهة عنه كرما والسلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنفس مضر، وعلى الهم مصر، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدو، ولا إضرار بمحسود.
القرآن يربي أتباعه على الأدب:
إنك إذا قرأت كتاب الله تعالى لوجدته يربي المؤمنين على الآداب الراقية ومحاسن الأخلاق، ومن ذلك:
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }( فصلت:34-35).
{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا} (النساء:86).
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون}(النور:27).
{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (الفرقان:63).
{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}(الحجرات: 11-12).
{يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون} (المجادلة:9).
{يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير}(المجادلة: 11).
{ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}(لقمان:19). وغير ذلك كثير في كتاب الله تعالى.
أما السنة النبوية فإنها زاخرة بالكثير من الأدلة التي تحث على الأدب في التعامل مع الناس، وإليك هذه الطائفة من الأحاديث النبوية التي تدل على الأدب الراقي في كل جوانب المعاملة:
عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما؛ فإن ذلك يحزنه".
عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط".
عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات" . فقالوا يا رسول الله، مالنا بد من مجالسنا؛ نتحدث فيها، فقال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" . قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟. قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى".
عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".
عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
عن أنس- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
عن حسين بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".
عن حنظلة بن حذيم- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كناه.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
ونختم بقول عبد الله بن المبارك- رحمه الله-:
(من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة).