- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
إن النجاة من الظلم والظالمين فضل كبير ومكرمة ومنة من الله تعالى على عباده، ينبغي على العبد أن يستشعر قيمة هذه النعمة وأن يكون دائم اللجوء إلى الله تعالى كثيرالدعاء أن ينجيه الله تعالى من الظالمين وألا يجعل للظالمين سلطانا عليه.
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم بها إخبار عن الدعاء بالنجاة من الظالمين، فقد سأل موسى عليه السلام ربه النجاة من فرعون وقومه، فقال: {رب نجني من القوم الظالمين}: توسل بربوبية الله عز وجل التي من معانيها التربية والعناية والإصلاح والتدبير، وإجابة الدعاء، فناسب أن يسأل ربه عز وجل في إصلاح أمره، وتدبير حاله، في النجاة من هؤلاء الظلمة، أي: يا رب نجني، وخلصني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك، ووصفهم بالظلم إظهار لشناعة هذا الوصف، ومن كان من أهله.
فأنجاه الرب الكريم، كما هي عادته مع أنبيائه وأوليائه الذين يفرون إليه في كل أمورهم، وأحوالهم، وعند الشدائد والمهالك، والأخطار كما قال عز وجل: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} (يوسف: 103). ولأنها نعمة عظيمة فإن نبي الله موسى عليه السلام لما أخبر الرجل الصالح في مدين بما كان من أمرالقبطي وفرار موسى من فرعون ووصوله إلى مدين، بشره الرجل الصالح قائلا: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين}(القصص: 25).
ومن هذه الآيات التي تدل على ذات المعنى قول الله تعالى: { قل رب إما تريني ما يوعدون . رب فلا تجعلني في القوم الظالمين})(المؤمنون : 93-94)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات: (يقول تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم: { رب إما تريني ما يوعدون} أي : إن عاقبتهم وإني شاهد ذلك فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه : "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون").
ومنها قول الله تعالى في سورة المؤمنون : {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون . فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين}(المؤمنون: 27-28).
وهذا نبي الله لوط عليه السلام قد قص الله علينا خبره فقال: { كذبت قوم لوط المرسلين . إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ۚ بل أنتم قوم عادون . قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين . قال إني لعملكم من القالين . رب نجني وأهلي مما يعملون . فنجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزا في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين . وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}(الشعراء:160-173).
وقوم عاد لما أرسل الله إليهم نبيه هودا عليه السلام فدعاهم إلى الله فكذبوه فدعا عليهم: {قال رب انصرني بما كذبون . قال عما قليل ليصبحن نادمين . فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين}(المؤمنون: 39-41).
وسؤال الله النجاة من الظالمين، كما هو دأب الأنبياء والمرسلين، كان له نصيب من أدعية المؤمنين، كما قص الله علينا خبر المؤمنة آسية زوج فرعون حين قالت: {ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}(التحريم:11)، فسألت النجاة من فرعون الطاغية الظالم الذي زعم أنه رب الناس، ثم عممت سؤال النجاة من كل من يتصف بهذه الصفة الشنيعة التي حرمها ذو الجلال والإكرام على نفسه، وعلى عباده.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أصلح لي سمعي وبصري، واجعلهما الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني منه ثأري"".(رواه البخاري في الأدب المفرد).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك . . . واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا".( رواه الترمذي).
وفي بدر قال صلى الله عليه وسلم وهو يناشد ربه ويدعوه ويستنصره: " اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ".(رواه مسلم).
وفي الأحزاب ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: " نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا" ، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح، وهزمهم الله بالريح).(رواه أحمد).
إن حديثنا عن الدعاء كسبب من أعظم أسباب النجاة من الظالمين ليس دعوة للتخلي عن بقية الأسباب للنجاة والتي منها عند القدرة مواجهة الظالم والأخذ على يديه، لكنه تذكير بسلاح مهم ربما غفل عنه كثير من الناس مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه الله عز وجل ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين وأن الله تعالى يرفعها فوق الغمام.
ومن رحمة الله تعالى بالضعفاء المظلومين أنه لا يطالبهم ببذل ما لا يستطيعون، لكنه يطالبهم ببذل أقصى ما في وسعهم، فعندما طلب من الإنسان إعداد القوة لملاقاة عدوه، قال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال: 60)، وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16، فجعل كل أمر مرهون بالاستطاعة، وليس بما فوق الطاقة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وحين يعجز العبد ولا تتهيأ له الأسباب للمواجهة تكون النجاة مغنما وفتحا؛ فقد ثبت في غزوة مؤتة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب. وعيناه تذرفان: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم".
فعد النبي صلى الله عليه وسلم انسحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجيش ونجاة المسلمين فتحا.
نسأل الله النجاة والسلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.