لا يدخل الجنة خبيث

0 913

الحمد لله يحب الطيبين ويكره الخبيثين قال عز وجل: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون} (المائدة: 100).
قال الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، {ولو أعجبك كثرة الخبيث}، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا).
وقد جعل الله عز وجل من حكم الابتلاء حصول التمايز بين الخبيث والطيب من الناس، حى يتبين الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، قال الله عز وجل: {ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}(آل عمران: 179).
قال الطبري: (يعني بقوله : { ما كان الله ليذر المؤمنين} ، ما كان الله ليدع المؤمنين {على مآ أنتم عليه} من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا {حتى يميز الخبيث من الطيب}، يعنى بذلك: حتى يميز الخبيث وهو المنافق المستسر للكفر من الطيب، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم).

والخبث يكون في النفوس بإضمار السوء والشر، فيثمر الخبيث من الأقوال والأفعال والأخلاق.
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانا يعرفان به، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب، ولا يأتي إلا طيبا، ولا يصدر منه إلا طيب، ولا يلابس إلا طيبا، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثا، ولا يصدر منه إلا الخبيث، فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه).
وقد قيل: (من طابت نفسه طاب عمله، ومن خبثت نفسه، خبث عمله). وقالوا: سوء الخلق يدل على خبث الطبع ولؤم العنصر(أي: الأصل) ، ويكاد سيئ الخلق أن يعد من البهائم.
وقد قسم الإمام ابن القيم الناس ثلاثة أقسام فقال رحمه الله: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب،
ودورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض).

الخبيث لا يدخل الجنة

فالجنة طيبة لا يدخلها إلا الطيبون، قال تعالى: {الذين تتوفاهم الملآئكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل: 32).
أما الخبيث فإنه لا حظ له في الجنة حتى يطهر، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط(الأعراف: 40) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا. ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}(الحج: 31) فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة".(رواه مسلم).
قال الهروي في بيان معنى النفس الخبيثة: (أي: خبيثة الخصال غير مرضية الأعمال).
قال ابن القيم رحمه الله:
(فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر،لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة).
وقال أيضا (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث).

من آثار الخبث

مما لا شك فيه أن خبث النفس له آثار سلبية كثيرة منها:
1- الخبث سبب لبذاءة اللسان والفحش:
إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذمومة، ومنهي عنها، ومصدرها الخبث واللؤم، قال الغزالي: (والباعث على الفحش: إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم ومن عادتهم السب).
2- الخبث سبب للحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد خبث النفس، وأنه داء جبلي مزمن، قل من يسلم منه).
3- خبيث النفس لا يحب الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحب لهم الشر والأذى:
قال في مختصر منهاج القاصدين: (وأما خبث النفس وشحها على عباد الله، فإنك تجد من الناس من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر، وإذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شق عليه ذلك، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدا يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته‏.‏
وقد قال بعض العلماء‏:‏ البخيل من يبخل بمال نفسه، والشحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلا خبث النفس ورداءة الطبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلة، فيعسر إزالته).
4 - الخبث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة).
5 - خبيث النفس غير مرتاح البال، فهو مهموم مغموم دائما.
6 - الخبيث منشغل بتتبع عورات الناس وأخطائهم.

أخيرا ينبغي على من وجد في نفسه شيئا من هذا المرض العضال أن يتوب إلى الله تعالى منه وأن يجاهد نفسه على التخلص منه وليكثر من الدعاء والتضرع أن يصلح الله قلبه، وأن يذهب عنه خبث نفسه، وأن يعود نفسه حب الخير للناس والفرح بنعمة الله عليهم، وليحرص على مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة ليتشبه بهم ويستعين بهم بعد الله عز وجل على التغيير المنشود، والله المستعان.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة