- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو أعظم أسباب صلاح القلوب وشفائها من عللها وأمراضها، قال الله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}(يونس: 57).
وقال عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين..}(الإسراء: 82). قال الإمام ابن كثير في تفسيرها: (يقول تعالى مخبرا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد إنه ( شفاء ورحمة للمؤمنين ) أي : يذهب ما في القلوب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل ، فالقرآن يشفي من ذلك كله ، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه فإنه يكون شفاء في حقه ...
قال قتادة: (إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه).
وقال الله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}(فصلت:44).
والمؤمن إذا قرأ القرآن زاد إيمانه بتلاوته، {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} (الأنفال:2)، وإذا حفظ منه شيئا فأتقنه استبشر وفرح، وتأثر بما فيه من الموعظة، وعمل بما أفاده من العلم، كحال الصحابة رضي الله عنهم حينما كان القرآن يتنزل: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون} (التوبة:124)، وذكر جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أنهم تعلموا القرآن فازدادوا به إيمانا.
إن كلام الله تعالى هو الهداية والنور لمن أراد الله به الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين }(البقرة : 2) ، وقال الله تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }(الشورى : 52 – 53 ).
لماذا نحفظ القرآن ؟
هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى الاهتمام بحفظ القرآن، ومنها:
- التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يحفظه ويديم تلاوته، ويعرضه على جبريل - عليه السلام - في كل عام مرة، وفي السنة التي توفي فيها، عرضه عليه مرتين، ففي الصحيحين عن فاطمة رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها قالت: أسر إلي -تعني أن أباها حدثها سرا فقال لها-: "إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب". وكان - عليه الصلاة والسلام - يقرئه أصحابه - رضي الله عنهم - ويسمعه منهم، فسمعه من عبد الله بن مسعود فخشع وبكى عند سماعه القرآن.
- أن حفظ القرآن ودراسته مقدم على سائر العلوم؛ قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: (طلب العلم درجات ومناقل، ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة، فقد تعدى سبيل السلف - رحمهم الله - فأول العلم حفظ كتاب الله - عز وجل – وتفهمه).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وأما طلب حفظ القرآن، فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علما...وهو أيضا مقدم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات، أن يبدأ بحفظ القرآن؛ فإنه أصل علوم الدين).
- حفظ القرآن في الصدور سبب من أسباب حفظ القرآن من عبث العابثين والأعداء الذين يحاولون النيل من كتاب الله تعالى بالتحريف والزيادة والنقصان - ولن يستطيعوا - ، كما أنه من خصائص هذه الأمة؛ يقول ابن الجزري رحمه الله: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة".
ومن فضل الله تعالى على الأمة في هذا الباب أنه سبحانه جعل حفظه ميسرا للناس كلهم، فحفظه العرب والعجم الذين لا يعرفون العربية، وحفظه الكبار في السن، وهذا من إعجاز القرآن الكريم، قال الماوردي: "الوجه السادس عشر من إعجازه: تيسيره على جميع الألسنة، حتى حفظه الأعجمي الأبكم، ودار به لسان القبطي الألكن، ولا يحفظ غيره من الكتب كحفظه، ولا تجري ألسنة البكم كجريها به".
وقال القرطبي في قوله تعالى: { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } (القمر: 17)؛ (أي: سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه؛ فهل من طالب لحفظه، فيعان عليه؟).
- أن حفظ القرآن وتعلمه خير من متاع الدنيا؛ فحين يفرح الناس بالدرهم والدينار، ويحوزونهما إلى رحالهم، فإن حافظ القرآن وقارئه، يظفر بخير من ذلك وأبقى، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يخاطب أهل الصفة قائلا: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟"، فقالوا: يارسول الله، نحب ذلك، قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد، فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل".
وقد كانت الإبل أنفس أموال العرب.
- أن حافظ القرآن الكريم أهل للتكريم والتوقير والتقديم؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من إجلال الله، إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط".
وهو المقدم في إمامة الناس في أهم فرائض دينهم بعد التوحيد وهي الصلاة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله".
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم أكثرهم حفظا حتى في الدفن؛ فبعد معركة أحد وعند دفن الشهداء كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الرجلين في قبر واحد ويقدم أكثرهم حفظا.
- أن حافظ القرآن من أهل الله تعالى وخاصته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله أهلين من الناس قالوا من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".
والمعنى أن حفظة القرآن العاملين به هم أولياء الله الذين اختصهم بمحبته، والعناية بهم؛ سموا بذلك تعظيما لهم، كما يقال: بيت الله، وذلك أن الله تعالى يخص بعض عباده، فيلهمهم العمل بأفضل الأعمال، حتى يرفع درجاتهم فوق كثير من الناس.
- أن في حفظ القرآن رفعة في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين".
- وفي حفظه فوز بشفاعته لصاحبه، كما في الحديث: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان".
- وفي حفظه والعمل به نجاة من النار؛ ففي الحديث الذي رواه أحمد وغيره "لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق". ويقول أبو أمامة: إن الله لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن.
- وفي حفظه رفعة في درجات الجنات؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل، كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها". قال ابن حجر الهيتمي: (الخبر خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب، لا بمن يقرأ بالمصحف؛ لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها، ولا يتفاوتون؛ قلة وكثرة).
- حافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة؛ عند الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران".
إن حفظ القرآن نعمة عظيمة ومنة جليلة يكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه ...".
وإن كان من الناس من يستحق الغبطة وأن يتأسى به الناس ويفعلوا كفعله، فأولاهم بذلك حافظ القرآن القائم بحقه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثلما يعمل".
فيا أيها الحبيب: بادر وجد واجتهد في حفظ القرآن لتفوز بهذه الفضائل، واعلم أن جهدك لن يضيع منه مثقال ذرة؛ فإنك إذا حفظت كان خيرا، وإن قرأت وجاهدت فحفظت بعض القرآن ولم تتمه فإن الله تعالى يكتب لك أجر قراءتك ويضاعفه لك، فيا بشراك.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.