تحريم الدعاء والاستغاثة بالأنبياء والأولياء

0 1004

قصص وسيرة أنبياء الله عز وجل ورسله التي وردت في القرآن الكريم، تتفق جميعا على دعوة واحدة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب الشرك، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}(الأنبياء:25)، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل:36)، قال ابن كثير: " فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له". والعبادة كما عرفها ابن تيمية: " اسم جامع لكل ما يجبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالخوف، والخشية، والتوكل، والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام".

والدعاء ومنه الاستغاثة من أعظم العبادات، قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}(غافر:60)، قال ابن كثير: "هذا من فضله، تبارك وتعالى، وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة.. وقوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي: عن دعائي وتوحيدي، {سيدخلون جهنم داخرين} أي: صاغرين حقيرين". فإذا علم أن الدعاء عبادة من أعظم العبادات، وأجل الطاعات ـ بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وصححه الألباني. فإنه ـ الدعاء ـ كغيره من العبادات يجب صرفه لله تعالى وحده لا شريك له.

دعاء غير الله: ظلم وضلال، وشرك وكفر:
دل القرآن الكريم والسنة النبوية، وإجماع العلماء من السلف والخلف، على دعاء الله عز وجل وحده، وتحريم دعاء غير الله سبحانه، والتصريح بأن من دعا غير الله، أو استغاث بغير الله ـ فيما لا يقدر عليه إلا الله ـ، مثل أن يطلب ممن يدعوه شفاء المريض، أو النصر على الأعداء، أو كشف الكربات، ونحو ذلك ـ فقد وقع في الظلم والضلال، والشرك والكفر، سواء كان هذا المدعو نبيا من الأنبياء، أو وليا من الأولياء، فضلا عن غيرهم. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على ذلك كثيرة، ومنها:

ـ قال الله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين}(يونس:106)، قال القرطبي: "قوله: {ولا تدع} أي لا تعبد. و {من دون الله ما لا ينفعك} إن عبدته. {ولا يضرك} إن عصيته. {فإن فعلت} أي عبدت غير الله. {فإنك إذا من الظالمين} أي الواضعين العبادة في غير موضعها". وقال الطبري: "يقول تعالى ذكره: ولا تدع، يا محمد، من دون معبودك وخالقك شيئا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام. يقول: لا تعبدها راجيا نفعها أو خائفا ضرها، فإنها لا تنفع ولا تضر، {فإن فعلت}، ذلك، فدعوتها من دون الله {فإنك إذا من الظالمين}، يقول: من المشركين بالله، الظالمي أنفسهم".
ـ وقال الله عز وجل: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}(الأحقاف:5)، قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: وأي عبد أضل من عبد يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة: يقول: لا تجيب دعاءه أبدا، لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك".
ـ وقال الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}(يوسف:106) قال القرطبي: "قال عطاء: هذا في الدعاء، وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء.. وقيل: معناها أنهم يدعون الله أن ينجيهم من الهلكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللص، ونحو هذا، فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب. قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
ـ وقال تعالى: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}(الأعراف:37)، قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النار، يقولون لهم أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله؟ ادعوهم يخلصونكم مما أنتم فيه. قالوا: {ضلوا عنا} أي: ذهبوا عنا فلا نرجو نفعهم، ولا خيرهم. {وشهدوا على أنفسهم} أي: أقروا واعترفوا على أنفسهم {أنهم كانوا كافرين}".

وعن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) رواه الترمذي وصححه الألباني. وفي رواية: (من لم يدع الله يغضب عليه). قال الخطابي: "ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز وجل العناية، واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة. وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية". وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة، ثم قال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}(غافر:60)) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال الشيخ ابن عثيمين: "(إذا سألت فاسأل) إذا سالت حاجة فلا تسأل إلا الله عز وجل ولا تسأل المخلوق شيئا، وإذا قدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عز وجل، لو شاء لمنعه من إعطائك سؤالك فاعتمد على الله تعالى..(وإذا استعنت فاستعن بالله) فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب العون إلا من الله عز وجل، لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه سبب، وأن الله هو الذي سخره لك. وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله".
قال ابن تيمية: "فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح... وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال، التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال". ويبين ابن القيم أنواع الشرك فيقول: "ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده".

فوائد:
ـ الفرق بين الدعاء والاستغاثة، أن الدعاء عام في كل الأحوال، وأما الاستغاثة فهي الدعاء في حالة الشدائد، فالدعاء أعم من الاستغاثة لأنه يكون من المكروب وغيره. قال السعدي: "الفرق بين الدعاء والاستغاثة، أن الدعاء عام في كل الأحوال، والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد، فكل ذلك يتعين إخلاصه لله وحده، وهو المجيب لدعاء الداعين المفرج لكربات المكروبين، ومن دعا غيره من نبي أو ملك أو ولي أو غيرهم، أو استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر".
ـ من دعا غائبا أو دعا ميتا، سواء أكان هذا المدعو نبيا أو وليا، وسواء طلب من هذا المدعو ما لا يقدر عليه إلا الله، أو طلب منه أن يكون واسطة بينه وبين الله تعالى، ويشفع له عنده، فهذا كله شرك بالله تعالى، لما فيه من دعاء غير الله، قال الله تعالى: {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}(الزمر:3)، قال ابن كثير: "قال قتادة، والسدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد: {إلا ليقربونا إلى الله زلفى} أي: ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده منزلة.. وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه".
وقال ابن تيمية: "والعجب من ذي عقل سليم يستوحي من هو ميت، ويستغيث به، ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت، فيقول أحدهم: إذا كانت لك حاجة إلى ملك توسلت إليه بأعوانه، فهكذا يتوسل إليه بالشيوخ. وهذا كلام أهل الشرك والضلال فإن الملك لا يعلم حوائج رعيته، ولا يقدر على قضائها وحده، ولا يريد ذلك إلا لغرض يحصل له بسبب ذلك، والله أعلم بكل شيء، يعلم السر وأخفى، وهو على كل شيء قدير، فالأسباب منه وإليه".

الدعاء من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، فهو دليل خضوع وذل من العبد إلى ربه، والله عز وجل يحب ذلك، لما في ذلك من الاعتراف بربوبيته وألوهيته.. وأما الدعاء والاستغاثة بالمخلوق ـ فيما لا يقدر عليه إلا الله ـ، سواء كان هذا المخلوق حيا أم ميتا، نبيا كان أو وليا، فهو شرك وظلم وضلال، لأن الدعاء ـ ومنه الاستغاثة ـ عبادة، والعبادة ـ أي عبادة ـ لا تكون إلا لله عز وجل.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة