مقصد الوسطية في السنة النبوية

0 622

 

 الإسلام كله وسط واعتدال، والأمة جعلها الله وسطا بين الأمم، فقدر هذه الأمة المحتوم أن تكون وسطية في كل شيء، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (البقرة: 143)، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح بقوله: (والوسط: العدل) رواه البخاري.

والشريعة قاصدة إلى التوسط، وتحمل المكلفين على الاعتدال في كلياتها وجزئياتها، قال الشاطبي في الموافقات: "فإذا نظرت في كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط، والتوسط يعرف بالشرع، وقد يعرف بالعوائد، وما يشهد به معظم العقلاء كما في الإسراف والإقتار في النفقات". انتهى.

فلما كان الدين كله عدلا وسطا، فإن الالتزام بأحكامه وتعاليمه ومقاصده هو التوسط، وهو الوسطية، والخروج عنه مجانبة للوسطية ووقوع في الإفراط أو التفريط، وبهذا المفهوم تسقط كل دعاوى الوسطية التي تحاول الوقوف بموقع المنتصف مطلقا ظانين أن تلك هي الوسطية، فالوسطية لا تعني البينية دائما بين طرفين، وإن كانت الوسطية تتضمن ذلك أحيانا، بمعنى: الاعتدال بين طرفين مذمومين، كما قال ابن حزم.

وحين نبحث عن مقصد الوسطية في السنة النبوية، قد لا نجده بحروفه المعجمية (وسط)، وإنما بما تضمنه من معاني العدل، والقصد، والاعتدال، والاستقامة.

الوسطية تتضمن معنى الاستقامة:

روى الإمام مسلم في صحيحه، عن سفيان ابن عبد الله الثقفي رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: (قل آمنت بالله، فاستقم)، روى الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، قال ابن عبد البر: "قوله: (استقيموا) أي: لا تزيغوا وتميلوا عما سن لكم، وفرض عليكم فقد تركتم على الواضحة ليلها كنهارها.

الوسطية تتضمن معنى القصد والمقاربة:

في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا. ومعنى قوله: القصد القصد كما قاله بعض الشراح: أي الزموا الوسط.

قال الطيبي في شرح المشكاة: " والمقاربة أيضا القصد في الأمور التي لا غلو فيها، ولا تقصير، وعليكم بالقصد في الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين من الإفراط والتفريط".

الوسطية تتضمن معنى التيسير ورفع الحرج:

في حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: "أي دين الإسلام ذو يسر، أو سمي الإسلام يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله". وهذا يشير إلى وسطية الإسلام مقارنة بالأديان السابقة، من جهة التيسير عما كان عسيرا عليهم، وهذا واضح في كثير من التشريعات الإسلامية، مما يجعله دينا وسطا، كما قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) الأعراف: 157.

وفي حديث ابن عباس رضى الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: (الحنيفية السمحة) رواه الإمام أحمد.

يقول ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين: "وإنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة، لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإنه أرحم الراحمين، ورسوله رحمة مهداة إلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبي الرحمة وأمته الأمة المرحومة ". انتهى.

وقد أرشدت السنة النبوية إلى التوسط في أداء الحقوق الواجبة، والموازنة بينها، وبين الحقوق النفسية، والاجتماعية، كما روى البخاري عن عبدالله بن عمرو رضى الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟) فقلت بلى يا رسول الله، قال: (فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله) – فشددت فشدد عليقلت: يا رسول الله، إني أجد قوة. قال: (فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه) قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: (نصف الدهر) فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذه النبذة اليسيرة يتبين لنا أن الوسطية كما أنها من خصائص الشريعة، وأهم صفاتها، هي كذلك مقصد من مقاصدها، من خلال النصوص والأحكام يتبين ذلك، قال الشاطبي في الموافقات: والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب، ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك.

 

 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة