سَتروْن ربَّكم كما تروْن هذا القمَر

0 682

دل الكتاب والسنة على أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل العلم والهدى. وأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}(القيامة: 22 ـ 23). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "{إلى ربها ناظرة} ينظرون إلى وجه ربهم لا يحجبون عنه". وقال ابن كثير: "{وجوه يومئذ ناضرة} من النضارة، أي حسنة بهية مشرقة مسرورة، {إلى ربها ناظرة} أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه: (إنكم سترون ربكم عيانا). وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها". وقال الشافعي: "لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته.. وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر".

ومن الأحاديث النبوية الدالة على رؤية المؤمنين ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، ما رواه البخاري في صحيحه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: 
(كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة - يعني البدر - فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون (لا تتزاحمون ولا تختلفون) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}(ق:39)).

ـ قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "في حديث جرير فضل المبادرة والمحافظة على صلاة الصبح والعصر، وأن بذلك تنال رؤية الله تعالى يوم القيامة".
ـ وقال الطيبي في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح": "اعلم أن مذهب أهل الله قاطبة أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين".
ـ وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين": "هذا تشبيه بإيضاح الرؤية لا بالمرئي".
ـ وقال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم": "هذا الحديث نص في ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، كما دل على ذلك قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}(القيامة: 22 ـ 23)".
ـ وذكر العيني ـ في "عمدة القاري" ـ الكثير من الفوائد من حديث جرير رضي الله عنه ورواياته الأخرى الصحيحة في البخاري وغيره: "ما يستفاد منه وهو على وجوه، الأول: استدل بهذه الأحاديث وبالقرآن وإجماع الصحابة ومن بعدهم على إثبات رؤية الله في الآخرة للمؤمنين، وقد روى أحاديث الرؤية أكثر من عشرين صحابيا".
ـ وقال المناوي في "فيض القدير شرح الجامع الصغير": "(إنكم سترون ربكم) يوم القيامة (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها ولا تجهدون في تحصيلها، فمعنى التشبيه أن ذلك محقق بلا مشقة ولا خفاء، فهو تشبيه للرؤية برؤية القمر ليلة تمامه في الوضوح، لا للمرئي بالمرئي، (لا تضامون) بضم الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم أي ظلم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض".
ـ وقال فخر الدين الرازي في "معالم أصول الدين": "قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) والمقصود من هذا التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي".
ـ وقال البيضاوي في: "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة": "لا تضامون" بالتشديد من الضم، أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض في طلب رؤيته لإشكاله وخفائه كما يفعلون في الهلال، أو لا يضمكم شيء دون رؤيته فيحول بينكم وبينها. وبالتخفيف من الضيم، أي: لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعض دون بعض، بل تستوون فيها".
ـ وقال المباركفوري في "شرح مشكاة المصابيح" في شرحه لحديث جرير رضي الله عنه: "يدل على رؤية الله تعالى والنظر إلى وجهه قد يرجى نيله بالمحافظة على هاتين الصلاتين اللتين تؤديان طرفي النهار غدوة وعشية".
ـ وقال ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين": "(إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر) هذا فيه تشبيه الرؤيا بالرؤيا، وليس المعنى تشبيه المرئي بالمرئي، لأن الله ليس كمثله شيء، ولكنكم ترونه رؤية حقيقية مؤكدة كما يرى الإنسان القمر ليلة البدر، وإلا فإن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يشابهه شيء من مخلوقاته".

ـ
وقال ابن تيمية في شرحه وتعليقه على هذا الحديث في أكثر من موضع: "في هذا الحديث إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة"، "وقد تواترت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند علماء الحديث". وقال: "وفي الحديث شبه رؤيته برؤية أظهر المرئيات، إذا لم يكن ثم حجاب منفصل عن الرائي يحول بينه، وبين المرئي"، "وذلك لبيان أنه سبحانه يتجلى تجليا ظاهرا، فيرونه كما يرون الشمس والقمر".
ـ وفي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي: "وقد قال بثبوت الرؤية (رؤية الله عز وجل يوم القيامة لأهل الجنة) الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وأهل الحديث، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة". ثم بين ـ أبو العز الحنفي ـ فضل رؤية الله عز وجل فقال: "وهذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس المتنافسون، وحرمها الذين هم عن ربهم محجوبون، وعن بابه مردودن".

رؤية الله أعظم وأفضل نعيم لأهل الجنة:
عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب، فينظرون إلى وجه الله، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا :{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}(يونس:26)) رواه مسلم.
قال ابن كثير: "وقوله: {وزيادة} هي: تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.. ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم، بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس (قال البغوي: وأبو موسى وعبادة بن الصامت) وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف".
وقال السعدي: "فهؤلاء الذين أحسنوا، لهم {الحسنى} وهي الجنة الكاملة في حسنها {وزيادة} وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه والبهجة بقربه، فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون".

من المسائل الغيبية التي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها، ويعتقد أنها ستكون للمؤمنين في الآخرة: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، فهي أعظم نعيم أهل الجنة، وأكمل لذة يجدونها فيها، دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة.. وأقوال أهل السنة وسلف الأمة ثابتة ومتواترة على إثبات ذلك.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة