حدث في مثل هذا الأسبوع (28 ربيع الأول -5 ربيع الآخر)

0 413

وفاة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي 2 ربيع الآخر 1439هـ الموافق (2017م)
الدكتور محمد مصطفى الأعظمي عالم مسلم من شبه القارة الهندية تعلم في الهند في "دار العلوم "بديوبند ثم رحل إلى مصر للتعلم في الأزهر، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة "كمبردج" الإنجليزية، ودرس في الجامعات السعودية أستاذا لعلوم الحديث كما عمل أستاذا زائرا في كثير من الجامعات الغربية.
صاحب جهود عظيمة في الدفاع عن السنة، ونصرتها، والرد على المستشرقين وقد كان له التأثير البالغ في الأوساط العلمية الغربية في تصحيح كثير من المفاهيم عن حفظ نص القرآن الكريم وتدوين السنة.

تميز الشيخ رحمه الله بإتقانه لأكثر من لغة، قراءة وكتابة وتأليفا وتدريسا، ودراسته الشرعية العميقة في أشهر الجامعات العربية والعالمية، وكانت إنجازاته العلمية متميزة على مستوى العالم، كان فيها مجاهدا على ثغر عظيم؛ لذا قدره العالم الإسلامي تقديرا بالغا، فنال جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام (1400هـ/1980م)، والتي تبرع بها للطلبة النابهين من فقراء المسلمين،كما حصل على الجنسية السعودية.
لم يكن رحمه الله حريصا على الجاه والسمعة الواسعة والمكانة المرموقة والثناء الموفور وإنما انهمك في أعماله العلمية قابعا في شبه عزلة عن الناس وعما يشغلهم، فقام بما قام به من الأعمال العلمية والدراسية دفاعا عن الإسلام وخدمة للسنة النبوية الشريفة.

مولده ونشأته
اسمه : محمد مصطفى بن عبد الرحمن بن نور محمد بن الحاج رستم، الأعظمي " أبو عقيل "
ولد في بلدة "مئو"، التابعة لمدينة "أعظم كره" بالهند سنة (1350هـ الموافق 1930 م) والأعظمي نسبة إلى مدينة أعظم كره التي ينسب إليها كثير من علماء الهند.
كان والده الشيخ عالما صالحا، أما والدته التي كانت زوجة والده الثانية فقد ماتت وهو صبي في نحو السنة الرابعة من عمره.

بدأ تعلمه في الكتاب، ثم اجتاز مراحل الروضة والابتدائية بمدرسة عصرية إنجليزية كائنة بمقربة من حيه، والمرحلة المتوسطة بمدرسة متوسطة بحي هركيشا بوره في الفترة ما بين 1941-1943م (1360-1362هـ).
ثم ترك التعليم الإنجليزي بتوجيه من والده إلى التعليم الديني الذي بدأ يتلقاه في مدرسة دارالعلوم بمدينة مئو عام 1944م (1363هـ) ومكث بها إلى شعبان عام 1362هـ الموافق يونيو 1947م وأنهى فيها المرحلة المتوسطة حسب المنهج الدراسي النظامي الذي تتبعه في الأغلب المدارس والجامعات الإسلامية في شبه القارة الهندية.

ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية الأم في شبه القارة الهندية المعروفة بـدارالعلوم/ديوبند فمكث فيها خمس سنوات متصلة في الفترة ما بين 1367-1371هـ (1948-1952م) وكان من أساتذته في دورة الحديث الشيخ السيد حسين أحمد المدني الذي قرأ عليه صحيح البخاري وجامع الترمذي، والشيخ محمد إعزاز علي الأمروهوي الذي قرأ عليه سنن أبي داود والشمائل المحمدية للترمذي، والشيخ محمد إبراهيم البلياوي الذي قرأ عليه صحيح مسلم، والشيخ المفتي السيد مهدي حسن الشاهجهانبوري الذي قرأ عليه معاني الآثار للطحاوي، والشيخ فخر الحسن المرادآبادي رحمه الله الذي قرأ عليه سنن النسائي وموطأ الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والشيخ ظهور أحمد الديوبندي الذي قرأ عليه سنن ابن ماجه وموطأ الإمام مالك.

وخلال دراسته بالجامعة ظل يتعلم اللغة الإنجليزية بجد، لأنه كان قد خطط بتوفيق الله تعالى في هذا العمر المبكر أن يؤدي مهمة بارزة ودورا يذكر فيما يتعلق بخدمة السنة النبوية وتفنيد شبهات المستشرقين وغيرهم من أعدائها، فرأى أن يتقن أولا اللغة العربية واللغة الإنجليزية باعتبار الأولى لغة الإسلام ولغة الكتاب والسنة، وباعتبار الثانية لغة المستشرقين واللغة العالمية التي يستند إليها الأعداء في الأغلب لإثارة شبهات ضد الشريعة الإسلامية ولاسيما السنة المحمدية.
ولذلك اتجه إلى جامعة الأزهر عام 1953م (1372هـ) والتحق بكلية اللغة العربية، ومكث بها ثلاث سنوات لعام 1955م (1374هـ) وحصل منها على شهادة العالمية مع الإجازة بالتدريس وعاد إلى وطنه، حيث أتم زواجه.

حياته العملية
في سنة (١٣٧٥هـ/١٩٥٦م )ذهب إلى قطر فعمل مدرسا للغة العربية لغير الناطقين بها، ثم عمل أمينا لدار الكتب القطرية المعروفة حينها بـالمكتبة العامة. وخلال عمله بالمكتبة اطلع على كثير من الكتب التراثية النادرة ولاسيما المخطوطات التي استكشفها خلال البحث عنها في المكتبات العالمية الشهيرة، كما اطلع على بعض كتب المستشرقين التي أثاروا فيها انتقادات وشبهات حول الشريعة الإسلامية والسنة المحمدية، فتأكد لديه العزم – الذي كان عقده من قبل – على القيام بخدمة السنة النبوية متمثلة في إزالة غبار الشبهات الواهية التي حاول المستشرقون وأعداء السنة الدائرون في فلكهم من المحسوبين على الإسلام إلصاقها بها.

يقول هو عن ذلك: في هذا الجو؛ قررت أن أكتب بحثا عن بعض جوانب السنة في إحدى أعرق الجامعات الغربية: جامعة كمبردج بإنجلترا، والله يعلم أن ذلك لم يكن بهدف الحصول على الشهادة، بل كان إظهارا للوجه الحقيقي للسنة النبوية، وتفنيدا لكتابات الجهلة، ووضعها في مكانها الذي تستحقه، بكشف مغالطات هؤلاء المغرضين وأباطيلهم.

فقرر أن يلتحق طالبا بجامعة كامبردج (Cambridge) بـبريطانيا حيث مكث ثلاث سنوات متتاليات في الفترة ما بين 1964-1966م (1384-1386هـ) وحصل منها على شهادة الدكتوراه في السنة النبوية وأعد لها بحثا باللغة الإنجليزية بعنوان:
(Studies in Early Hadith Literature) 
و بعد حصوله على شهادة الدكتوراه عمل مديرا للمكتبة القطرية العامة سنتين أخريين في الفترة ما بين 1966-1968م (1386-1388هـ). 

إلى السعودية
وفي 1968م (1388هـ) ذهب إلى مكة حيث عين أستاذا مساعدا ثم أستاذا مشاركا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة؛ فعمل بها إلى عام 1973م (1393هـ) ست سنوات متصلة، ثم انتقل أستاذا لمصطلح الحديث في كلية الشريعة في قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض. كما شغل منصب رئيس قسم التربية الإسلامية بالجامعة حتى أحيل إلى المعاش عام 1991م (1412هـ) فكان عمله بها على مدى 18 عاما على الأقل، وقد أشرف وناقش عددا من الرسائل العلمية في مكة المكرمة والرياض.

دعي الدكتور محمد مصطفى الأعظمي  أستاذا زائرا في كبرى الجامعات في أمريكا وأوروبا فعمل أستاذا زائرا في جامعة متشجان (Michijan) في آن آربر (Ann Arbor) بالولايات المتحدة في الفترة ما بين(1401-1402هـ =1981-1982م )، و زميلا زائرا في كلية سنت كروس في جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة عام 1987م (1407-1408هـ)، وأستاذا زائرا بجامعة كولو رادو (Colorado) في بولدر (Boulder) بأمريكا في الفترة ما بين 1989-1991م(1401-1412هـ)، وعمل أستاذا زائرا لكرسي الملك فيصل للدراسات الإسلامية في جامعة برنستون (Princeton) بالولايات المتحدة عام 1992م (1412-1413هـ)، وأستاذا فخريا بجامعة ويلز بالمملكة المتحدة، وعضوا في لجنة الترقية(Promotion Committee) بجامعة ماليزيا.

أشهر مؤلفاته: 
أضاف الشيخ للمكتبتين الإسلامية والغربية دراسات جادة وعميقة بأسلوب علمي رصين أفنى فيها كثيرا من سنوات حياته، و بذل فيها جهودا مكثفة نازل فيها العقل الغربي المشكك في الوحي بطريقته التي يفهمها، وأبان أصالة وتفرد مناهج نقل ونقد العلوم عند المسلمين، وقد ترجمت العديد من أعماله إلى عدة لغات ومن أهم كتبه المطبوعة:
1- "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" وهو طليعة كتبه وأهمها، وهو رسالة جامعية تقدم بها إلى جامعة كمبردج في بريطانيا لنيل درجة الدكتوراة سنة 1966م، ثم ترجم إلى اللغة العربية وطبع ضمن مطبوعات جامعة الملك سعود بالرياض سنة 1396هـ (1976م)،ثم توالت طبعاته بعد ذلك، و قد نال هذا الكتاب قبولا وإعجابا بالغين من قبل العلماء والباحثين وطلاب العلم المشتغلين بالدراسات الحديثية، وكثرت الإحالة عليه في كتابات ودراسات الباحثين في مجال السنة النبوية وقد حاز المؤلف بهذا الكتاب على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية بتاريخ 26 صفر 1400 هـ.

2-"منهج النقد عند المحدثين: نشأته وتاريخه" وهو من أهم الكتب التي تكشف لك معالم التفكير النقدي الموضوعي عند علماء الحديث

3- تاريخ تدوين القرآن الكريم، أو تاريخ النص القرآني.
"the history of the quranic text”  وقد طبع طبعات متعددة في البلاد اﻹسلامية والغربية. وهذا الكتاب كان ردا على مقال بعنوان: "ما هو القرآن" للكاتب الصحفي توبي ليستر نشره سنة (1999) في عدد يناير من مجلة "أتلانتيك منثلي". وهو كتاب عظيم شامل متميز كشف عن المعايير الصارمة في تدوين النص القرآني وفق منهج علمي رصين. وهو أبرز كتاب في المكتبة الإنجليزية في الدفاع عن القرآن الكريم، وفيه جهد عال في سبر تاريخ النص القرآني والرد على اعتراضات المستشرقين.

4- كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد صدرت طبعته الأولى عام 1394هـ/1974م ثم تكررت طبعاته.
5- دراسة نقدية لكتاب أصول الشريعة المحمدية للمستشرق الألماني "شاخت جوزيف" وقد صدرت طبعته الإنجليزية في كل من نيويورك وبريطانيا كما ترجم الكتاب إلى اللغة التركية.
7- المحدثون من اليمامة إلى عام 250هـ تقريبا وصدرت طبعته الأولى عن بيروت عام 1415هـ/1994م.
7-‏ النص القرآني الخالد وهو دراسة مقارنة مصورة لسورة الإسراء بين تسعة عشر مصحفا من منتصف القرن الأول إلى القرن الخامس عشر، وصدرت طبعته الإنجليزية بقلمه كذلك؛ لأنه ألف بنفسه الكتاب باللغتين معا، وهو آخر مؤلفاته.

أما تحقيقاته لكتب السنة فقد قام بتحقيق عدد من كتب السنة ومنها: 
1-  الموجود من "صحيح ابن خزيمة" حيث حققه وعلق عليه وخرجه، وصدرت له طبعات في كل من بيروت والرياض.
2- "الموطأ" للإمام مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي، بالاعتماد على نسخ خطية، صدرت طبعته الأولى عن مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان الخيرية بـأبوظبي عام 1425هـ.
3- ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير (المتوفى 94هـ) وقد قام بتحقيقه وتخريجه، وصدرت له الطبعة الأولى من الرياض عام 1981م، وترجمته الأردية في باكستان عام 1987م.
4- تحقيق وتعليق وتخريج كتاب العلل لعلي بن عبد الله المديني (المتوفى 168هـ).
5- سنن ابن ماجه الذي صدر عام 1983م في أربعة مجلدات بتحقيقه وتخريجه.
6- "التمييز" للإمام مسلم، صدرت طبعته الأولى عام 1395هـ/1975م، ثم تكررت طبعاته.
وفاته:
في صبيحة يوم الأربعاء 2 ربيع الآخر 1439هـ الموافق 20 ديسمبر 2017م، استيقظ الشيخ من نومه ليتوضأ ويؤدي صلاة الفجر، فجاءه خلال ذلك الأجل المكتوب وودع الشيخ الدنيا بعد عمر قارب تسعين سنة، وقد صلي عليه في اليوم نفسه بعد صلاة الظهر في جامع الراجحي بالرياض وتم تورية جثمانه بمقبرة النسيم فيها.
فرحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة