حـالـنا مـع الـكـون

0 422
  • اسم الكاتب:من كتاب: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية/ محمد الغزالي

  • التصنيف:ثقافة و فكر

 إنني أكره التدين المحجوب عن جمال الكون وعظمته، المشلول عن فهم أسراره وتسخيرها لمصلحته .
وبين الحين والحين يساورني ـ وأنا أتلو القرآن ـ شعور بأن الله يريد لفتنا إلى إبداعه في الأنفس والآفاق، يريد إشعارنا بما في كونه من دقة ورقة ولطافة واقتدار، يريد من الناس أن يطالعوا آيات عظمته في هذا الكون الدال على ربه، الموجه إليه بالليل والنهار.
وهل يقسم الله بعناصر كون تافه؟ انظر إلى هذه الصورة: [فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق]، إنها صورة الأصيل المحمر الأفق يعقبه الغروب، وبزوغ القمر.
ثم صورة أخرى لمرحلة تابعة من مراحل الزمان: [والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس]، لقد تحركت الدنيا واهتز صدرها بأنفاس اليقظة الباكرة.

إن الذى خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، يطلب منا أن نستكشف صفاته في أرجاء ملكوته، وأن ننظر إلى العالم على أنه مجلى أسمائه الحسنى، وأن نبنى سلوكنا بعد ذلك على إيمان وثيق، وخضوع مطلق، وأن نسترشد بوحيه ونحن نكدح على الثرى استعدادا لرحلة العودة، وهى رحلة لابد منها، [هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده].

إنه أمر مثير للعجب أن يعيش جمهور المسلمين من بضعة قرون لا يعرفون عن الكون شيئا يذكر، وأن تكون علومه ثانوية في ثقافتهم الخاصة والعامة، وأن يكون التعرف على أسراره وقواه شيئا كماليا خفيف الوزن عند البعض، وضربا من اللغو والعبث عند البعض الآخر!!

فما الذى استحوذ على انتباههم من فنون المعرفة؟ كلام في دين الله لو عرفه سلفهم ما فتحوا بلدا ولا أنشؤوا حضارة!! في الوقت الذى صد فيه المسلمون عن الدراسات الكونية أوغل آخرون في طريقها، وحققوا مآرب رهيبة، ثم طوعوها لنصرة عقائد باطلة وفلسفات وضيعة!!
إن هذه القطيعة الموحشة بين الدين من ناحية وبين الكون والحياة من ناحية أخرى ينكرها الإسلام كل الإنكار، ويطلب من عباد الله الصالحين مسلكا يناقضها كل المناقضة.
قد تقول: نحن نعرف ذلك ولا جديد فيما تحكى!

وأجيب: لا يزال الشباب الذى يريد المتاب والعمل للإسلام يدير ظهره للدنيا وعلومها، ويخفف حقائبه من البحوث الكشافة للقوى الحيوية الكثيرة، ويظن الذكر والشكر في العبادات المحضة!
كنت في بعثة إلى "نواكشوط " - عاصمة موريتانيا الإسلامية - تهتم بشئون الدعوة، ورأيت هناك جماعة من الشيوعيين الصينيين لا يعملون للسماء وإنما يعملون للأرض، استطاعوا اكتشاف منابع للمياه العذبة، ومدوا شبكة للأنابيب إلى الأراضي التي كانت تحتاج إلى المياه!

ورأيت هؤلاء الشيوعيين الصينيين في اليمن يشقون في قلب الصحراء وبين سلاسل الجبال طرقا "مزفتة" أو "مسفلتة" بتعبير العوام! فقلت في نفسى: من أقصى الشرق، من بعيد بعيد، يجيء هؤلاء ليصنعوا في بلادنا ما يصنعون! فماذا نعمل نحن؟!
لقد شعرت بالغيظ عندما علمت أن قطرا إسلاميا كان يصدر القمح أيام كان مستعمرة، فلما استقل، ووقع زمامه بين أيدى أهله اقشعرت الأرض، وبدأ استيراد القمح من الخارج!!
وشعرت بالاستحياء وأنا أحصى الدول الصناعية المنتجة فلا أجد بين العشر الأولى، ولا بين العشر الثانية، دولة مسلمة واحدة!!

ومعروف أن اليابان بدأت نهضتها من قرن تقريبا، وأن شعوبا إسلامية بدأت نهضتها في الزمان نفسه، ووصلت اليابان إلى الذروة وبقينا نحن في السفح!
ما السبب؟ قد يكون لفساد الجو السياسي دخل كبير، ولكن فساد الجو الثقافي له ـ في نظري ـ دخل أكبر.

إن دين الله لا يقدر على حمله ولا على حمايته الفاشلون في مجالات الحضارة الإنسانية الذكية، الثرثارون في عالم الغيب، الخرس في عالم الشهادة.
وأشعر بأن فقر المسلمين إلى الاستبحار العلمي لخدمة دينهم ودنياهم يحتاج إلى شرح أكثر، فإن تبجح الجهال بما لديهم من معارف مغشوشة أو قاصرة أمر لا يطاق، وإذا لم نوضح لأمتنا الحق كله تعرضت وتعرضنا معها للهلاك...

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة