أشْرَاط وعلامات الساعة

0 842

أشراط الساعة هي مجموعة من العلامات والظواهر والأحداث تسبق يوم القيامة، ويدل وقوع بعضها على قرب يوم القيامة. قال ابن الأثير: "الأشراط: العلامات". وقال الجوهري: "أشراط الساعة علاماتها". وقال القرطبي في تفسير قول الله تعالى: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}(محمد:18) "أشراطها أي أماراتها وعلاماتها". وقال الحليمي: "أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تسمى أشراط الساعة وهي أعلامها ". وقال العيني: "أشراط الساعة: أي علاماتها". وقال القاضي عياض: "قيل: أشراط الساعة، بمعنى: علاماتها". وقال البيهقي في تحديد المراد من الأشراط: "أي: ما يتقدمها من العلامات الدالة على قرب حينها". وقال ابن حجر في "فتح الباري: عن المراد بالأشراط: "العلامات التي يعقبها قيام الساعة".
والساعة كما قال ابن الأثير: "الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وقد سميت بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة". وقال ابن منظور: "قال الزجاج: معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة". وقال ابن عثيمين: "والساعة هي القيامة". وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: {اقتربت الساعة}(القمر:1): "يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها، وحان وقت مجيئها".

الأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية على أشراط الساعة وعلاماتها:

أولا: الأدلة من القرآن الكريم على أشراط الساعة:
موعد قيام الساعة من الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، قال الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة}(لقمان:34)، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "علم قيام الساعة وهو مخزون عن العباد". وقال الطبري: "{إن الله عنده علم الساعة} التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره". وقال تعالى: {إليه يرد علم الساعة}(فصلت:47)، قال ابن كثير: "{إليه يرد علم الساعة} أي: لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو سيد البشر لجبريل ـ عليه السلام ـ حين سأله عن الساعة فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل)". وقال عز وجل: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو}(الأعراف:187). قال السعدي: "يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {يسألونك} أي: المكذبون لك، المتعنتون {عن الساعة أيان مرساها} أي: متى وقتها الذي تجيء به، ومتى تحل بالخلق؟ {قل إنما علمها عند ربي} أي: إنه تعالى مختص بعلمها، {لا يجليها لوقتها إلا هو} أي: لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو".
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخفى الساعة عن الخلق، فقد جعل لها علامات تدل على قرب وقوعها، قال الله تعالى: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}(محمد:18). قال ابن كثير: "{فقد جاء أشراطها} أي: أمارات اقترابها، كقوله تعالى: {هذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة}(النجم:57:56). وكقوله سبحانه: {اقتربت الساعة وانشق القمر}(القمر:1)، وكقوله سبحانه وتعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه}(النحل:1)، وقوله: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}(الأنبياء:1). فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين، وأقام به الحجة على العالمين، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله".

ثانيا: الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها:
1 ـ مما يدل على تسمية هذه الأشراط في السنة النبوية بالعلامات ما جاء في حديث جبريل المشهور عند مسلم في صحيحه، أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ـ قائلا: (أخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها). وفي رواية البخاري في صحيحه قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها (علامتها الدالة على اقترابها)).
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) رواه البخاري.
3 ـ وروى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: (طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات. فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم).

أشراط الساعة وعلاماتها تسبق وقوع القيامة وتدل على قرب حصولها، وقد اصطلح العلماء على تقسيمها إلى قسمين:
ـ القسم الأول: أشراط أو علامات الساعة الصغرى، وهي التي تقدم الساعة ـ في الغالب ـ بأزمان طويلة، ومنها ما وقع وانقضى ولن يتكرر وقوعه ـ مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهي من علامات الساعة ـ، ومنها ما وقع وانقضى - وقد يتكرر وقوعه -، ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع، ومنها ما لم يقع إلى الآن، ولكنه سيقع كما أخبر نبينا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وقد يظهر بعضها مصاحبا للأشـراط الكبرى أو بعدها. وعلامات أو أشراط الساعة الصغرى كثيرة، منها: قبض العلم وظهور الجهل، وضياع الأمانة، وشرب الخمر، وكثرة القتل، وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق، والتطاول في البنيان، وظهور النساء الكاسيات العاريات، وكثرة الفتن، وتمني الموت لشدة البلاء، وغير ذلك مما جاء في الأحاديث النبوية الصحيحة..
ـ والقسم الثاني: أشراط أو علامات الساعة الكبرى: وهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وإخراج الله تعالى دابة من الأرض تميز المؤمن من الكافر، وطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك..

ومن الفوائد والثمرات الهامة التي تؤخذ مما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وأشراط الساعة وتصديقنا وإيماننا بها:
تحقيق ركن من أركان الإيمان الستة، وهو الإيمان باليوم الآخر، باعتبار أن أشراط الساعة من مقدماته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) رواه مسلم. قال الكرماني: "واليوم الأخر أي: القيامة". كما أن هذه الأشراط والعلامات من الإيمان بالغيب الذي قال الله عز وجل فيه: {الذين يؤمنون بالغيب}(البقرة: 3). قال السعدي: "حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده أو لم يشاهده، وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه".

ومن هذه الفوائد والثمرات الهامة التي تؤخذ مما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وأشراط الساعة: الاتعاظ والاعتبار، والرجوع والتوبة إلى الله عز وجل. قال القرطبي في "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة": "قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها: تنبيه الناس من رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها. والله أعلم". وقال ابن حجر في "فتح الباري:": "والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة والاستعداد".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة