حدث في مثل هذا الأسبوع (20 - 26 ربيع الآخر)

0 341

 وفاة الخطاط والمؤرخ المكي محمد طاهر الكردي 23 ربيع الآخر عام 1400هـ (1980م)
الشيخ محمد طاهر الكردي عالم موسوعي متعدد المواهب فهو مؤرخ وخطاط وشاعر، عميق في دراساته متنوع في موضوعاته أصيل في بحثه أمين في تاريخه. 
هو مؤرخ مكة وكاتب مصحفها، كان يتميز بنشاطه التأليفى الواسع وعلمه الغزير وثقافته المتنوعة. 
أجل أعماله و أشرفها كتابة "المصحف المكي الشريف " بخط النسخ الرائع الجميل، كما كان له أعظم الاهتمام بتاريخ مكة وتوثيق تاريخها بالكلمة والصورة والرسم وتحقيق كل ما يتصل بها من آثار، كما كان له إسهامات ومشاركة في المشاريع التي أنجزت بالبلد الحرام في وقته، واطلع على كثير من المعلومات الدقيقة للآثار الدينية والمعمارية في المسجد الحرام - بحكم عمله باللجان المختصة بذلك - ، مما ساعده في إخراج كتابه الموسوعي "التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم" الذي يعتبر بحق دائرة معارف مكية وموسوعة تاريخية شاملة ومنظومة اجتماعية وأدبية متكاملة.

نشأته 
الشيخ محمد طاهر بن عبد القادر بن محمود الكردي من بيت علم وفضل، حيث ترك والده الشيخ عبد القادر إربيل (شمال العراق) ليسكن مكة المكرمة، تقربا إلى الله واجتهادا في العبادة . 
ولد الشيخ محمد طاهر في مكة المكرمة ـ حرسها الله ـ عام 1321 هـ ، 1903م وتلقى تعليمه بمدرسة الفلاح المشهورة والتي أسسها الشيخ محمد على زينل وهى مدرسة العلماء والنجباء ثم ألحقه والده الشيخ عبد القادر بالأزهر الشريف لمواصلة طلب العلم سنة 1340 هـ فمكث بمصر سبع سنين ولما كانت همته عالية التحق بمدرسة تحسين الخطوط العربية الملكية بعد تأسيسها عام 1341 هـ، 1922 م فبرع وأتقن، و اشتغل بتعلم الخطوط العربية بأنواعها وما يتعلق بها من رسوم وزخرفة وتذهيب ليكون واحدا من أشهر خطاطي مكة المكرمة.
ولما عاد من القاهرة اشتغل بتعليم الخط العربي بالمدارس، فلذلك كان يعرف بالخطاط، وقد كتب المصحف الشريف بخطه، وطبع بمكة المكرمة، وهو أول مصحف يطبع بها، وسمي "مصحف مكة المكرمة"، وكان ذلك في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى، وقد عرض المصحف عليه قبل أن يطبع، فسر بذلك وأثنى على القائمين عليه.

"مصحف مكة المكرمة"
تعود بداية طباعة المصحف الشريف في المملكة العربية السعودية إلى عام 1369ه‍ عندما ظهر المصحف المعروف بمصحف مكة المكرمة، والذي طبعته شركة مصحف مكة المكرمة.
فعندما نضجت فكرة طباعة هذا المصحف تكونت شركة مساهمة محدودة سجلت رسميا باسم ((شركة مصحف مكة المكرمة )) مؤلفة من: محمد سرور الصبان، وعبد الله باحمدين (المدير الرسمي للشركة)، وإبراهيم نوري (المراقب العام لأعمالها)، ومحمد علي مغربي (أمين الصندوق)، ومحمد لبنى، وكان رأس مالها مائتي ألف ريال سعودي .
اشترت الشركة مقرا لها في مكة المكرمة، واشترت آلة طباعة حديثة من أمريكا، يمكن أن يطبع فيها المصحف الشريف بأحجام مختلفة، واتفقت مع مهندسين فنيين لتركيبها.

وتم الاتفاق مع الخطاط الشيخ محمد طاهر الكردي على كتابة المصحف على قواعد الرسم العثماني، وقام بذلك خير قيام، مع أن ذلك كان زمن الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)
وعندما انتهى من كتابته صححته لجنة من علماء مكة: الشيخ أحمد حامد التيجي أستاذ علم القراءات بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، والشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام، والسيد محمد أحمد شطا المعاون الثاني لمدير المعارف بمكة، والسيد إبراهيم سليمان النوري المفتش بمديرية المعارف بمكة، ثم أرسل إلى مشيخة الأزهر فوافقت على التصحيح، وكان شيخ القراء والمقارئ المصرية الشيخ محمد علي الضباع ممن صححه ووضع خاتمه الرسمي عليه.

وبعد خمس سنوات استغرقها العمل بين الكتابة والتصحيح تم الانتهاء من هذا المصحف في عام 1367ه‍، وبدأ طبعه بالحجم الكبير ليلة الجمعة الموافق 17 من شهر ذي القعدة عام 1368ه‍، وانتهى في 7 من شهر ربيع الأول عام 1369ه‍، ثم بدئ في طبع الحجم الصغير، وبقية الأحجام . 
ووصفت جريدة أم القرى هذا المصحف بما يلي :
(1) أن ابتداء كل صفحة أول آية، كما أن نهاية كل صفحة آخر آية. 
(2) أن ابتداء كل جزء في أول صفحة، كما أن انتهاء كل جزء في آخر صفحة.
(3) أن كل جزء عشرون صفحة ما عدا جزء عم.
(4) أن علامات الأحزاب وأنصافها وأرباعها قوسية هلالية.
(5) أن علامات السجدات رسم الكعبة.
(6) أن النقوش التي حول الفاتحة في الصفحة الأولى، وحول أوائل البقرة في الصفحة الثانية مركبة من كلمة مكة بالأحرف الكوفية.
وكان صدى ظهور هذا المصحف واسعا داخل المملكة وخارجها، وكانت فرحة الملك عبد العزيز رحمه الله بظهوره كبيرة، وقدم للقائمين عليه دعما ماديا ومعنويا سخيا، كما لاقى استحسان المسلمين وثناءهم خارج المملكة، وأشادت به الصحف الصادرة في تلك الآونة.

التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم 
من أهم كتب الشيخ محمد طاهر الكردي وأميزها كتاب " التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم " فهو بحق موسوعة تاريخية واجتماعية وأدبية جمع فيه معارف شتى وعلوما وفنونا عديدة وفوائد وفرائد مكية قل أن تجدها في كتاب واحد وهو يقع في ستة أجزاء. 

وحوي كتابه المذكور تاريخ مكة المكرمة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى سنة 1385 هـ، وقد زين كتابه بالخرائط المهمة والصور الفوتوغرافية والرسوم اللطيفة للأماكن المقدسة والمواضع الأثرية والرجال البارزين والعلماء المؤرخين وفيه من التحقيقات والتدقيقات ما يجذب القارئ إلى كثرة مطالعته لأنه يشفى الفؤاد بسيرة ذكر خير البلاد.
وقد أجاد وأفاد بما سطره بقلمه وبحثه بعلمه وسعة اطلاعه،  فقد استوعب كل ما وقف عليه من تاريخ لمكة المكرمة ـ حرسها الله ـ فجمع المسائل والأبحاث المتعلقة بها ولم يترك سوى ذكر الحروب متعللا بأن ذلك من اختصاص المؤرخين السياسيين. 

حياته العملية : 
1- عين موظفا بالمحكمة الشرعية الكبرى عام 1348هـ. 
2- مدرسا بمدرسة الفلاح بجدة لمادة الخط العربي من 1349هـ إلى 1353هـ . ثم مرة ثانية عام 1355 هـ ولمدة قصيرة. 
3- مدرسا بالمدرسة السعودية بمكة ثم العزيزية الابتدائية. 
4- مديرا لمدرسة تحسين الخطوط والآلة الكاتبة عندما افتتحتها مديرية المعارف. 
5- عضوا في اللجنة التنفيذية لتوسعة وعمارة المسجد الحرام عام 1375هـ . ثم رئيس قسم التأليف والآثار التاريخية لمكتب مشروع التوسعة . واستمر حتى إحالته إلى التقاعد بناء على رغبته عام 1383 هـ.

من حكمه وأمثاله:
- الاعتراف بالإحسان من كمال الإنسان. 
- الانهماك في العمل يؤدى إلى الملل.
- الاستبداد والقسوة يورثان البلادة والجفوة. 
- هضم الحقوق موجب للعقوق. 
- الكريم بلا مال كالشجاع بلا سلاح. 
- لا تحتقر ضعيف اليوم فقد يصبح غدا عظيما.
- من احترم غيره فقد احترم نفسه.
- دوام العزلة يميت النشاط والهمة.
- الكريم إذا ضاقت به الأحوال لم يختلط بالناس.
- الصبور إذا انتقم بطش.

مؤلفاته : 
تميز الشيخ محمد طاهر الكردي بكثرة مؤلفاته وتنوعها وقد طبع له مؤلفات عديدة، منها:
1- التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (يقع في ستة أجزاء). 
2- تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه.
3- تاريخ الخط العربي وآدابه
4- تبرك الصحابة بآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم. 
5- تحفة الحرمين في بدائع الخطوط العربية.
6- أدبيات الشاي والقهوة والدخان. 
7- رسالة النسب الطاهر الشريف في بيان نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان عدد أزواجه وأولاده. 
8- منظومة في صفة أشهر بنايات الكعبة. وتقع في 352 بيتا. ثم زاد عليها ونشرها ضمن كتاب "التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم".
9- إرشاد الزمرة لمناسك الحج والعمرة. 
10- بدائع الشعر ولطائف الفن. 
11- تحفة العباد في حقوق الزوجين والوالدين والأولاد. 
12- مقام إبراهيم عليه السلام.
13- حسن الدعابة فيما ورد في الخط وأدوات الكتابة.
14- مجموعة الحرمين في تعليم خط النسخ (قررت مديرية المعارف العامة تدريسها بمدارس السعودية ).
15- كراسة الحرمين في تعليم خط الرقعة، 7 ج (قررت مديرية المعارف العامة تدريسها بمدارس السعودية).

كما أن له مؤلفات غير مطبوعة، منها :
- التفسير المكي .
- زهرة التفاسير.
- مختصر المصباح والمختار في اللغة.
- الموعظة الحسنة في عدم اليأس وفي الصبر والتفويض.
- المقارنة بين خط المصحف العثماني واصطلاحنا في الإملاء.
- الاستحسان في وضع علامات الترقيم في القرآن.
- تراجم من لهم قوة الحافظة.
- عجائب ما رواه التاريخ.
- المحفوظات الأدبية المختارة.
- منظومة في التعاريف الفقهية.
- حسن البساط في ديوان محمد طاهر الكردي الخطاط.
- البحث والتحقيق في معرفة معنى الصديق. 
- الأدعية المختارة.

وفاتـه: 
كانت وفاة الشيخ محمد طاهر الكردي ليلة الاثنين 23 ربيع الآخرعام 1400هـ، الموافق 10 مارس 1980م، بمستشفى بخش بجدة، ونقل في اليوم التالي إلى مكة المكرمة ودفن بمقابر المعلاة رحمه الله تعالى وأحسن إليه. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة