يمثل الجانب الروحي في الإسلام دعما نفسيا كبيرا، يستطيع المسلم من خلاله تجاوز العديد من المشكلات التي يعاني منها العالم اليوم، متمثلة في الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب، والوساوس، والشعور بوهن العزيمة، وانشغال البال بالأفكار السلبية، من غير أن يكون هناك خلل عضوي يتسبب في ذلك.
وقد تعامل القدماء مع هذه الظواهر بمعالجات خاطئة، كرست من تعمق الأمراض والاعتلالات النفسية، وذلك أنهم لجأوا إلى أعمال السحر والشعوذة، وممارسة بعض الطقوس من التعاويذ، والرقصات الدينية، ولا يزال بعض الناس إلى اليوم يتوجهون في معالجة أمراضهم النفسية إلى هذه الفئة التي تمارس عليهم الحيل والأساليب الخادعة.
وقد أصبح العلاج النفسي اليوم علما مستقلا له أدواته، ومناهجه، واكتشافاته، بحيث أصبحت المستشفيات والعيادات النفسية منتشرة في كل مكان، وهي تؤدي دورا فاعلا في رفع كفاءة النفس البشرية، من خلال خطوات سلوكية، تخفف من الضغط النفسي، وتؤهل الفرد المريض إلى معاودة الاتصال بالمجتمع من حوله بشكل أمثل.
ومع ذلك كله يبقى الدعم الروحي والإيماني عاملا أساسيا في عملية المعالجات النفسية، وتخطي الأزمات السلوكية، ولذلك يلجأ المتخصصون النفسيون إلى الاستعانة برجال الدين في كثير من العيادات النفسية العالمية، من خلال ما رأوا من آثار القضايا الإيمانية على مرضاهم، وتفاعلهم معها بشكل إيجابي.
وحين يكون الأمر متعلقا بالمسلم فإن من البديهي أن يكون للدين أثرا في حياته وتخطي أمراضه النفسية؛ لاشتماله على الإيمان السالم من التناقضات، وكونه مصاحبا للإنسان في كل مجالات حياته، يوجهه لما ينفعه ويحذره مما يضره في بدنه أو عقله.
من خلال نصوص السنة النبوية التي تعمل على تعزيز الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، وهو ما يساعد على تخفيف حدة المشاعر السلبية، ويعزز من الثقة بالنفس والطمأنينة، ويؤدي إلى تحصيل السكينة والأمن النفسي، فقد قال عبادة بن الصامت لابنه: "يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة " يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني". رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد حرصت الشريعة الإسلامية على تسكين المخاوف الإنسانية في نفوس رعاياها كأحد أهم ركائز الاستقرار النفسي، كالخوف على الرزق، والخوف من الموت، فقد جاء عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم" رواه ابن ماجة، وصححه الألباني.
وقول النبي ﷺ: "إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها" رواه ابن ماجة وابن حبان.
وإذا التزم المسلم بالتعاليم الإسلامية في اختلاف أحواله، وتقلب ظروفه، فهذا يضمن له سعادة لا تكون إلا لأمثاله، ففي الحديث: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". رواه مسلم.
ومن خلال نصوص كثيرة توضح أن كل ما يصيب المسلم من أنواع المصائب، إنما هو ابتلاء وامتحان للفرد المسلم لبيان لمدى توفر قدرات الصبر والمجاهدة، وتنميتها في نفسه، كما ورد عن سعد ابن أبي وقاص، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه، اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة" رواه ابن حبان، وصححه الألباني.
السنة أيضا تكرس في نفس الإنسان التفاؤل، وتوقع حصول الخير، "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا". وهذا يساعد على التماسك والتوازن النفسي، وتفكيك ضغوط المشاكل بحيث لا تحكم سيطرتها على تفكيره، وإنما تأخذ حيزها الطبيعي المقبول، ويصبح الكرب مقرونا عنده بانتظار الفرج، والمرض مصحوبا بترقب العافية، وهكذا تتحجم الصعوبات، وتخف وطأة الابتلاءات.
وفي سبيل الصحة النفسية حذرت السنة من أن يكون القلب مأوى للضغائن والإحن وسائر أمراض النفوس وعللها، قال رسول الله ﷺ: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا". رواه البخاري ومسلم. وقال ﷺ: "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأه باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان ". رواه ابن حبان.
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
وقد ثبت في السنة أدعية نبوية يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من مجموعة من الاعتلالات النفسية، مما يدل على أن هذا الدعاء أحد الوسائل الوقائية منها، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أخدم النبي ﷺ فكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين وغلبة الرجال". رواه أبو داود.