حدث في مثل هذا الأسبوع (17 – 23 جمادى الآخرة)

0 493

 وفاة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 23 جمادى الآخرة 1376هـ (1957 م):
الشيخ السعدي علم من أعلام الهدى وإمام من أئمة الدين، كانت حياته كلها جهادا متواصلا في الدعوة والإمامة والكتابة والخطابة والتأليف وقضاء حوائج الناس وتعليم الجاهلين.
كان رحمه من أكثر علماء عصره وبلده سماحة وأبعدهم نظرا وأوسعهم عقلا وأعظمهم أثرا وأحسنهم تفاعلا مع واقعه، كان غزير العلم واسع الاطلاع رحيم القلب، بذل حياته و نذر أوقاته للعلم والتعليم وتخرج على يديه أعداد غفيرة من الطلبة النابهين الذين تولوا من بعده قيادة المؤسسات العلمية والقضائية في السعودية
عالم راسخ، ومرب حكيم وداعية رفيق ومؤلف بديع، ورجل بر وخير وصلة يحل المشكلات ويسدد الثغرات ويقيل العثرات.
ذاع صيته واشتهر أمره وعظم قدره وعلا ذكره و بارك الله في أوقاته أثناء حياته و نفع الله بمؤلفاته بعد مماته.

اسمه ونشأته
هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي من قبيلة تميم، ولد في بلدة عنيزة في القصيم، وذلك بتاريخ 12 محرم عام ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية، وتوفيت أمه وهي من آل عثيمين وله أربع سنين، وتوفي والده وله سبع سنين، فتربى يتيما وكان له أخوان حمد وهو الأكبر، وسليمان وهو الأصغ، و لما شب صار في بيت أخيه حمد، عملا بوصية أبيهم.
استرعى الأنظار منذ حداثة سنه بذكائه ورغبته الشديدة في العلوم، قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب في مدرسة الشيخ سليمان بن دامغ، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده وعلى من قدم بلده من العلماء، فاجتهد وجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم.
ولما بلغ من العمر ثلاثا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويعلم، ويقضي جميع أوقاته في ذلك حتى إنه في عام ألف وثلاثمائة وخمسين صار التدريس ببلده راجعا إليه، ومعول جميع الطلبة في التعلم عليه.
- في عام 1361هـ عين إماما وخطيبا للجامع الكبير بعنيزة بأمر الشيخ عبد الرحمن بن عودان.
- في عام 1373هـ عين مشرفا على المعهد العلمي بعنيزة.

مشايخه
أخذ العلم عن الشيخ إبراهيم بن حمد بن محمد بن جاسر، وهو أول من قرأ عليه وكان يصف شيخه بحفظه للحديث، ويتحدث عن ورعه ومحبته للفقراء ومواساتهم مع حاجته
ومن مشايخه الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، قرأ عليه في الفقه وعلوم العربية وغيرهما، ومنهم الشيخ صالح بن عثمان القاضي (قاضي عنيزة) قرأ عليه في التوحيد والتفسير والفقه أصوله وفروعه وعلوم العربية، وهو أكثر من قرأ عليه ولازمه ملازمة تامة حتى توفي رحمه الله، ومنهم الشيخ عبد الله بن عائض الحربي، ومنهم الشيخ صعب بن عبد الله التويجري، ومنهم الشيخ على السناني ومنهم الشيخ على بن ناصر أبو وادي، قرأ عليه في الحديث وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها وأجازه في ذلك، ومن مشايخه الشيخ محمد الأمين محمود الشنقيطي (نزيل الحجاز قديما ثم الزبير بالعراق ) لما قدم عنيزة وجلس فيها للتدريس قرأ عليه  في التفسير والحديث وعلوم العربية كالنحو والصرف ونحوهما.

من جميل كلامه:
- المحافظة على الصلوات بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الإيمان، فيسقيه وينميه و يؤتي أكله كل حين.
- الدعاء سلاح الأقوياء والضعفاء، وملاذ الأنبياء والأصفياء، وبه يستدفعون كل بلاء.
- في قوله تعالى {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} يقول :رحم الله من أعان على نصرة الدين بما يقدر ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك العبد ما يقدر عليه! 
- يا عجبا لمؤمن يرى أهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم وهم لا غاية لهم شريفة يطلبونها وهو مخلد إلى الكسل عن نصر الحق .
- من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أنه من ترك محبة الرحمن وخوفه ورجاءه ابتلي بمحبة غيره وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.

- السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات، وبه تزول التبعات والجهالات، والأمور المعضلات.
- وأي معروف أعظم من معروف العلم، وكل معروف ينقطع إلا معروف العلم والنصح والإرشاد.
- لا ينفع الحزن علي الأمور الماضية التي لا يمكن استدراكها، وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل فعلي العبد أن يكون ابن يومه ويجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر.
- إن السخرية ، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "بحسب امرئ من الشر ، أن يحقر أخاه المسلم".

- حفظ القرآن وفهمه والعمل به جاء في آية واحدة وهي: "يتلوا عليهم آياته"، لفظا وحفظا وتحفيظا. "ويعلمهم الكتاب والحكمة" معنى  "ويزكيهم" بالتربية على الأعمال الصالحة، والتبرؤ من الأعمال الرديئة.
- من تغافل عن عيوب الناس ، وأمسك لسانه عن تتبع أحوالهم التي لا يحبون إظهارها سلم دينه وعرضه، وألقى الله محبته في قلوب العباد، وستر الله عورته، فإن الجزاء من جنس العمل، وما ربك بظلام للعبيد.
- من أعظم نعم الله على العبد المؤمن أن يوفقه لصحبة الأخيار، ومن عقوبته لعبده أن يبتليه بصحبة الأشرار، صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين.

- من أعظم المكاسب وأجل المغانم كسب صداقة اﻷخيار واغتنام أدعيتهم في الحياة وبعد الممات.
"وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير.
- حصنوا أنفسكم عن حرمات الله بحصن: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).
" إن ربـى لطيف لما يشآء " يوصل بره وإحسانه إلى العبد، من حيث لايشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.
- من قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات، واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وراحاته ومكاسبه، انقلبت عاداته عبادات، وبارك الله للعبد في أعماله.
- من أصلح باطنه أصلح الله له الأحوال، وسدده في الأقوال والأفعال.
- إن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} - كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة.
تلاميذه:
كان الشيخ له أسلوب فريد في التدريس وطريقة بديعة في التعليم والتفهيم، يرتب أوقات التعليم و الدروس، و يقيم المناظرات بين تلاميذه لشحذ أفكارهم، ويجعل الجوائز لمن يحفظ بعض المتون.
ويتشاور مع تلاميذه في اختيار الأنفع من كتب الدراسة، ولا يمل التلاميذ من طول وقت الدراسة لجميل طريقته، ولذا تخرج على يديه من التلاميذ النابهين عدد كثير، نقتصر على بعضهم فمنهم :
1 - الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، خلف شيخه في إمامة الجامع بعنيزة وفي التدريس والوعظ و الخطابة.
2 - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله.
3 - الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل.
4 - الشيخ عبد الله بن محمد المطرودي.
5 - الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان رحمه الله.
6- الشيخ عبد الله بن محمد الزامل ( عالم نجد في النحو).
7 - والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعدي ( ابن الشيخ) وكان ذا عناية بطبع مؤلفات والده.
وغيرهم كثير
مؤلفاته
كان الشيخ كثير الكتابة والتأليف، فله أكثر من 40 مؤلفا في سائر فنون الشريعة سهلة الأسلوب قريبة المأخذ واضحة المعاني كما كان له مهارة فائقة في التأليف
وكان غاية قصده من التصنيف هو نشر العلم ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته، لا ينال منها عرضا زائلا، بل يوزعها مجانا ليعم النفع بها.
و من هذه المؤلفات :

1- تفسير القرآن الكريم المسمى "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" في ثمانية أجزاء.
2- إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، رتبه على السؤال والجواب.
3- الدرة المختصرة في محاسن الإسلام، طبع في مطبعة أنصار السنة عام 1366هـ.
4- الخطب العصرية القيمة.
5- القواعد الحسان لتفسير القرآن .
6- تنزيه الدين وحملته ورجاله، مما افتراه القصيمي في أغلاله .
7- الحق الواضح المبين، في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين.
8- توضيح الكافية الشافية، وهو كالشرح لنونية الشيخ ابن القيم.
9- وجوب التعاون بين المسلمين، وموضوع الجهاد الديني.
10- القول السديد في مقاصد التوحيد.
11- الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
وغير ذلك ،  جدير بالذكر أن وزارة الأوقاف القطرية مشكورة قامت بطباعة مجموع مؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله و ذلك سنة 2011 م، والتي وصل عدد مجلداتها إلى 26 مجلدا، وتحتوي هذه المجموعة الثمينة بين طياتها على جميع مؤلفات الشيخ ورسائله وخطبه والكتب التي لم تنشر من قبل.
وفاته:
توفي الشيخ عبد الرحمن السعدي قبل طلوع فجر يوم الخميس الموافق 23 جمادى الآخرة من عام 1376، عن تسع وستين سنة (69)، ودفن بعنيزة. رحمه الله و غفر له ورفع درجته في عليين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة