بَاقةٌ مِنَ الأحاديثِ النبوية عَن شهر رمضان

0 448

شهر رمضان شهر مبارك عظيم، شهر الصيام والقيام، شهر العتق والغفران، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات.. شهر أنزل فيه أنزل القرآن الكريم، قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}(البقرة:185). شهر فيه ليلة (ليلة القدر) خير من ألف شهر. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه رضوان الله عليهم بقدومه، لما فيه من الخير العميم، والفضائل والبركات الوافرة، فكان يقول لهم: (أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل (تشد الأغلال والسلاسل) فيه مردة الشياطين (رؤساء الشياطين)، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) رواه النسائي وصححه الألباني.
وقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تبين فضل شهر رمضان وما فيه من خيرات ورحمات، وفضائل وبركات.. وهذه باقة متنوعة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن شهر رمضان:

صوم شهر رمضان يغفر به الذنوب:
1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري. قال ابن بطال: "قوله: (إيمانا) يريد تصديقا بفرضه وبالثواب من الله تعالى على صيامه وقيامه، وقوله: (احتسابا)، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله، وينوي بصيامه وجه الله".
تفتح فيه الجنة، وتغلق فيه النار:
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. قال ابن حجر: "قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين..قال الزين بن المنير: والأول (أنه على ظاهره وحقيقته) أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره".
صوم رمضان مكفر لذنوب العام كله:
3 ـ قال صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) رواه مسلم. قال النووي: "وقد يقال: إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة؟ وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات؟ ورمضان؟ وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه؟! والجواب ما أجابه العلماء: أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير (تكفير وغفران الذنوب) فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت به درجات، وإن صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر والله أعلم".
قيام رمضان سبب لغفران الذنوب:
4 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري. قال الكرماني: "اتفقوا على أن المراد بقيامه صلاة التراويح".
قيام ليلة القدر يغفر بها الذنوب:
5 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الترمذي وصححه الألباني. (ومن قام ليلة القدر) دل هذا الحديث على شرف ليلة القدر وفضل إحيائها بالعبادة، وأن قيامها لمن وافقها سبب للغفران.

صوم شهر رمضان من أركان الإسلام:
6 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) رواه البخاري. قال الشيخ ابن عثيمين: "وصيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا يتم الإسلام إلا به، ولكنه لا يجب إلا على من تمت فيه الشروط الآتية: أن يكون مسلما، وان يكون بالغا، وعاقلا، قادرا، مقيما، سالما من الموانع".
رمضان سبب للعتق من النيران:
7 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
عمرة في رمضان تعدل حجة:
8 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تقضي حجة - أو حجة معي ـ) رواه البخاري. قال القاضي عياض: "معنى ذلك في الأجر والثواب، لا في الإجزاء عن الفريضة بغير خلاف".
الإكثار من الإنفاق والبذل في رمضان:
9 ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري. قال الطيبي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح بالموجود، لكونه مطبوعا على الجود، مستغنيا عن الفانيات بالباقيات الصالحات.. وكان يظهر منه أكثر آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره لمعان، أحدها: أنه موسم الخيرات، وثانيها: أن الله تعالي يتفضل على عباده في ذلك الشهر ما لا يتفضل عليهم في غيره، وثالثها: أنه كان يصادف البشرى من الله بملاقاة أمين الوحي.. قوله: (وكان أجود من الريح المرسلة) قيل: يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله تعالي، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها".
اعتكاف واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من شهر رمضان:
10 ـ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) رواه البخاري. قال الشيخ ابن عثيمين: "والاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، وهو مشروع في العشر الأواخر من رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأخير، ثم اعتكف العشر الأوسط يتحرى ليلة القدر ثم قيل له: (إنها في العشر الأواخر) فصار يعتكف العشر الأواخر من رمضان".

عظم أجر الصيام:
11 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة (وقاية من المعاصي)، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف ((تغير رائحة) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري. قال المناوي في "فيض القدير": "(وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة القضاء وشرفه".
اختصاص الصائمين بباب في الجنة:
12 ـ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد) رواه مسلم. قال الصنعاني: "وفي هذه التسمية مناسبة للجزاء على الصوم لأن الصائم يصيبه الظمأ فيجازى بضده. (يدخل منه الصائمون يوم القيامة) مطلق في صائم الفرض والنفل، والأصل الفرض". وقال القاضي عياض: "نوع من الكرامة لهم، والاختصاص كما اختصوا به حتى لا يزاحموا فيه، وإن كانت لا مزاحمة في الحقيقة في أبواب الجنة لسعتها، وأنه ليس بموضع ضرر ولا تعب ولا نصب".
صحة صيام من أكل أو شرب ناسيا:
13 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه مسلم. قال ابن عثيمين: "فإذا أكلت أو شربت ولو شبعت ورويت وأنت ناس في الصيام فإن صومك كامل ليس فيه نقص ولهذا قال: (فليتم صومه) وفي قوله: (فإنما أطعمه الله وسقاه)".
شفاعة الصيام للعبد يوم القيامة:
14 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان) رواه أحمد وصححه الألباني. قال الهروي: "(فيشفعان) بالتشديد مجهولا أي: يقبل شفاعتهما، وهذا دليل على عظمتهما". وقال المباركفوري: "(فيشفعان) أي: يشفعهما الله فيه، أي: يقبل شفاعتهما ويدخله الجنة. وقال القاري: ولعل شفاعة رمضان في محو السيئات، وشفاعة القرآن في علو الدرجات".
فضل وبركة السحور وتعجيل الإفطار:
15 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). وقال: (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري. والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب لأنهم لا يتسحرون، والتقوي على العبادة.
فضل إدراك رمضان:
16 ـ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (أن رجلين من بلي (قبيلة كانت تسكن قرب المدينة) قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي. قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثوه الحديث فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا يا رسول الله: هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وفي الحديث: بيان فضل إدراك رمضان، وفضل طول العمر مع حسن العمل.

لقد فضل الله عز وجل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور والأيام، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختصه الله سبحانه بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة.. وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنوات، ولم يكن حاله صلى الله عليه وسلم في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان يومه في هذا الشهر مليئا بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه بما لهذه الأيام والليالي من فضائل خصها الله بها، وميزها عن سائر أيام العام، ومن ثم فلا عجب أن يأتي في فضل شهر رمضان أحاديث نبوية كثيرة تبين آثاره وعظيم أجره، وما أعده الله عز وجل لمن أدركه فصامه وقامه، وتحث المسلم على الاجتهاد فيه في العبادة، والمسارعة إلى الخيرات، وتهون عليه ما قد يجده من عناء ومشقة في أدائه.. فمن أدرك شهر رمضان ودخل فيه بنية صادقة واتباع صحيح، خرج منه بالتقوى والاستقامة، وكان من السعداء الناجين في الدنيا والآخرة.. وما ذكرناه من أحاديث ما هو إلا باقة من بستان وروضة الأحاديث النبوية عن شهر رمضان..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة