- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقدمات عامة
وصف الله عز وجل حال الأنبياء ـ وهم صفوة البشر ـ في عبادتهم وتقربهم ودعائهم فقال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}(الأنبياء:90). والرغب هو الطمع في جنة الله وفضله، والرهب هو الخوف من عقابه وناره. والعبادة عند أهل السنة تشمل المحبة والتعظيم، والمحبة تولد الرجاء، والتعظيم يولد الخوف. وليس بين الحب والخوف والرجاء تعارض، قال الشيخ ابن عثيمين: "والعبادة مبنية على أمرين عظيمين هما: المحبة، والتعظيم.. فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف". والرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا.
والقرآن الكريم زاخر بالآيات الدالة على الترغيب والترهيب، والأمر بالخوف والرجاء معا، ودعاء الله عز وجل خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه، ومن ذلك:
ـ قال الله عز وجل: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم}(الحجر:49 ـ 50). قال السعدي: "فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه، أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه، أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها".
ـ قال الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين}(الأعراف:55 ـ 56). قال القرطبي: "أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، قال الله تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم}(الحجر:50:49) فرجى وخوف. فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه".
ـ وصف الله عز وجل الأنبياء والرسل ـ وهم أكمل الناس عقيدة وإيمانا وحالا ـ فقال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}(الأنبياء:90). قال الطبري: "رغبا في رحمة الله، ورهبا من عذاب الله، ولا ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر"، وقال: "وعنى بالدعاء في هذا الموضع: العبادة، كما قال {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا}(مريم:48)، ويعنى بقوله {رغبا} أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله، {ورهبا} يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه.. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل". وقال ابن كثير: "{ويدعوننا رغبا ورهبا} قال الثوري: {رغبا} فيما عندنا، {ورهبا} مما عندنا".
ـ مدح الله عز وجل عباده الصالحين أهل الخوف والرجاء بقوله سبحانه: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}(الزمر:9)، وقال تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}(السجدة:16). قال ابن كثير: "أي: خوفا من وبال عقابه، وطمعا في جزيل ثوابه". وقال السعدي: "أي: جامعين بين الوصفين، خوفا أن ترد أعمالهم، وطمعا في قبولها، خوفا من عذاب الله، وطمعا في ثوابه". وقال ابن عثيمين: "إن ذكروا ذنوبهم خافوا، وإن ذكروا فضل الله طمعوا، فهم بين الخوف والرجاء".
ـ وعباد الرحمن كما وصفهم الله عز وجل يسألونه الجنة و يستعيذون به من النار، قال الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما}(الفرقان:66:63).
ـ قال الله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}(الإسراء:57). قال ابن عاشور في تفسيره: "ذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة، للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم، فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالا له وخوفا من غضبه".
والنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة كان يسأل الله تعالى الجنة ويستعيذ به من النار، ويعلم ذلك لأصحابه رضوان الله عليهم، ومن ذلك:
ـ عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه البخاري. قال ابن حجر: "قال عياض: إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة. قال: والحسنة عندهم ها هنا النعمة، فسأل نعيم الدنيا والآخرة، والوقاية من العذاب".
ـ عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك (مكان نومك) فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك (جانبك) الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمرى إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة فاجعلهن آخر ما تقول) رواه البخاري. قال الكرماني: "(رهبة ورغبة) أي خوفا من عقابك وطمعا في ثوابك".
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (ما تقول في الصلاة؟ فقال: أتشهد، ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ ـ أي : ابن جبل ـ، فقال صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "ومن أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن) يعني: حول سؤال الجنة والنجاة من النار".
وقال ابن تيمية: "ولا يتصور أن يخلو داع لله - دعاء عبادة أو دعاء مسألة - من الرغب والرهب، من الخوف والطمع.. ولهذا كان أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ولما سأل بعض أصحابه عما يقول في صلاته فقال: إني أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن".
الرد على: "ما عبدناك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك":
اشتهر على بعض الألسنة مقولة خاطئة للبعض، وذلك لفهمهم واعتقادهم الخاطئ أن العابد لله حقا هو من يعبده حبا له تعالى، وليس خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، ومن أقوالهم في ذلك: "لا نعبد الله خوفا من ناره، ولا طمعا في جنته، بل نعبده حبا له"، وأيا كانت العبارة أو الصيغة التي تحمل تلك المعاني، وأيا كان قائلها: فإنها خطأ ومخالفة لحال الأنبياء والرسل، وهذا القول مبعثه فهم أصحابه وقائليه أن الجنة هي الأشجار والأنهار والحور العين فقط، وأن النار ليست هي الحميم والسموم والزقوم، بل هي الحجب عن رؤية الله عز وجل. وغفلوا عن أعظم ما في الجنة مما يسعى العبد لتحصيله وهو: رؤية الله تعالى. فعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب، فينظرون إلى وجه الله، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}(يونس:26)) رواه مسلم.
وقد فصل ابن تيمية وابن القيم القول في الرد على قول من قال: "ما عبدناك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك"، فقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: "وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب.. فالرجاء وإن تعلق بدخول الجنة، فالجنة اسم جامع لكل نعيم وأعلاه النظر إلى وجه الله كما في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، نادى مناد يا اهل الجنة: إن لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموهن، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهو الزيادة). ومن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول من قال: "ما عبدتك شوقا إلى جنتك، ولا خوفا من نارك، وإنما عبدتك شوقا إلى رؤيتك"، فإن هذا القائل ظن هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات.. ولهذا قال بعض من غلط من المشايخ لما سمع قوله آل عمران {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}(آل عمران:152) قال: فأين من يريد الله؟، وقال آخر: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}(التوبة:111) قال: "إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه؟!". وكل هذا لظنهم أن الجنة لا يدخل فيها النظر.. والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة كما أخبرت به النصوص، وكذلك اهل النار فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفا بما يقول فإنما قصده إنك لو لم تخلق نارا ولو لم تخلق جنة لكان يجب أن تعبد ويجب التقرب إليك والنظر إليك كما قال عمر رضي الله عنه: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه"، أي هو لم يعصه ولو لم يخفه، فإن إجلاله وإكرامه لله يمنعه من معصيته. والراجي الخائف إذا تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب باحتجاب الرب عنه، والتنعم بتجلية، فمعلوم أن هذا من توابع محبته له".
وقال ابن القيم في "مدارج السالكين": "والتحقيق أن يقال: الجنة ليست اسما لمجرد الأشجار، والفواكه، والطعام، والشراب، والحور العين، والأنهار، والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومن أعظم نعيم الجنة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه، وبرضوانه.. فكيف يقال: "لا يعبد الله طلبا لجنته، ولا خوفا من ناره؟!".. وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله، وإهانته، وغضبه، وسخطه، والبعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم، وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها. فمطلوب الأنبياء، والمرسلين، والصديقين، والشهداء، والصالحين: هو الجنة، ومهربهم: من النار، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل".
وقال تقي الدين السبكي: ".. فمن لم يسأل الله الجنة والنجاة من النار: فهو مخالف للسنة، فإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولما قال ذلك القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار"، وقال: "ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن".
الرجاء والخوف متلازمان عند أهل السنة، وعلماء أهل السنة يقولون: ينبغي للإنسان وهو في أيام صحته أن يغلب الخوف دائما على الرجاء، وأن يكون خوفه أغلب من رجائه، فإذا حضره الموت غلب الرجاء حينئذ، فلا ينبغي للمؤمن أن يموت إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: "باب الرجاء مع الخوف". فقال ابن حجر في "فتح الباري": "أي: استحباب ذلك، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم". وقال ابن القيم: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف".
والواجب على المسلم أن يكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤدي ما أمره الله عز وجل به من عبادات على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقصد بذلك التقرب إلى الله حبا له سبحانه، راجيا رضوانه وثوابه، خائفا من سخطه وعذابه، فقد قال الله تعالى عن حال أنبيائه ورسله: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}(الأنبياء:90). وأمرنا سبحانه بقوله: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين}(الأعراف:55 ـ 56).