الإيمان بالله

0 549

الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لجميع البشر، وبه ختم الله الرسالات، قال الله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا}(المائدة:3). وقال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(85}. قال السعدي: "أي: من يدين لله بغير دين الإسلام، الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا، وانقيادا لرسله. فما لم يأت به العبد، لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله، والفوز بثوابه، وكل دين سواه فباطل".
وقد وضع الله تعالى لهذا الدين أركانا، فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، لمن استطاع إليه سبيلا. وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. ويؤيد ويجمع ذلك ما جاء في حديث جبريل المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت..).
والإيمان بالله معناه: الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.

الإيمان بوجود الله تعالى:
الإيمان بالله عز وجل ووجوده، أمر لا شك ولا جدال فيه عند أصحاب العقول السليمة والفطر السوية، وأما من تعرض للانحراف والانتكاس حتى اقتلعت الفطرة السليمة من قلبه، وأنكر وجود الله عز وجل، فإنه يحتاج إلى البحث والتأمل في داخل نفسه، والنظر في الدلائل الكونية والآيات القرآنية، وسيجد الكثير والكثير من الدلائل الواضحة والبراهين الساطعة على وجود الله عز وجل. قال ابن تيمية: ''إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة''. فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) رواه البخاري.
وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى، فلأن جميع المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها، إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة. وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة، تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين. وقـد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في قوله سبحانه: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون}(الطور:37:35). قال ابن كثير: "أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا.. وروى البخاري عن جبير بن مطعم قال: "سمعت (وكان حينئذ مشركا) النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي".
ومن ثم فإن إنكار وجود الله دعوى واهية لا دليل عليها، بل الفطرة السوية ومعها الأدلة العقلية تناقضها، وتقضي بوجود الخالق سبحانه وتعالى ووحدانيته. فوجود الله تعالى دل عليه العقل السليم، والفطرة السوية، فضلا عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي تدل على وجوده سبحانه.

الإيمان بربوبية الله تعالى:
قال الجوهري: "الرب لغة يأتي لعدة معان، منها: المربي، والمالك. يقال: رب كل شيء: مالكه، ومستحقه، أو صاحبه". وتوحيد الربوبية شرعا: معناه الاعتقاد والإقرار الجازم بأن الله وحده رب كل شيء ومليكه، لا شريك له، وأنه سبحانه خالق العباد ورازقهم، وأنه المحيي والمميت، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، ليس له في ذلك شريك.. وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإيمان بربوبيته سبحانه. قال الله تعالى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}(الأعراف:54)، وقال عز وجل: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}(البقرة:29). وقال سبحانه: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(الذاريات:58).
والإيمان بربوبية الله تعالى لم يخالف فيه كفار قريش، وأكثر أصحاب الملل والديانات، فكلهم يعتقدون أن خالق العالم هو الله وحده، قال الله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون}(يونس:31)، وقال سبحانه: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}(العنكبوت:61)، وقال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}(لقمان:25). قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن هؤلاء المشركين به: إنهم يعرفون أن الله خالق السموات والأرض، وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خلق له وملك له".
وقال الله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون * بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون}(المؤمنون:90:84). قال السعدي: "أي: قل لهؤلاء المكذبين بالبعث، العادلين بالله غيره، محتجا عليهم بما أثبتوه، وأقروا به، من توحيد الربوبية، وانفراد الله بها، على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة، على ما أنكروه من إعادة الموتى، الذي هو أسهل من ذلك".

الإيمان بألوهيته سبحانه:
(الإله) بمعنى (المألوه) أي: (المعبود) حبا وتعظيما، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبود حق إلا الله. وقد عرف العلماء توحيد "الألوهية" بأنه "إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، قولا وعملا، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله تعالى كائنا من كان". قال الله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}(البقرة:163)، وقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}(آل عمران:18). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال: (يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة) رواه البخاري. قال الشيخ ابن عثيمين: "(حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا) يعني: أن لا يعذب من عبده وهو لا يشرك به شيئا، لأن نفي الشرك يدل على الإخلاص والتوحيد، ولا إخلاص وتوحيد إلا بعبادة".
وكل ما اتخذ إلها مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة، قال الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}(الحج:62). قال السعدي: "{بأن الله هو الحق} أي: الثابت، الذي لا يزال ولا يزول، الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، كامل الأسماء والصفات، صادق الوعد، الذي وعده حق ولقاؤه حق، ودينه حق، وعبادته هي الحق، النافعة الباقية على الدوام. {وأن ما يدعون من دونه} من الأصنام والأنداد.. {هو الباطل} الذي هو باطل في نفسه، وعبادته باطلة". فلا يستحق أحد أن يعبد، ويفرد بالعبادة إلا الله عز وجل، لا يشاركه في هذا الحق أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

الإيمان بأسماء الله وصفاته:
أي: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى، على الوجه اللائق به سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل. قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}(الأعراف:180). وأسماء الله تعالى ـ كما هو مقرر عند أهل السنة ـ توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. قال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص".
فالله عز وجل ليس كمثله شيء، الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى:11). قال القرطبي: "والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به {ليس كمثله شيء}". وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات".

الإيمان الصحيح بالله عز وجل وعبادته هو الأصل الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، والجنة والنار، وخلق الخلق جميعا.. وللإيمان بالله في حياة المسلم آثارا عظيمة وكثيرة، فبالإيمان بالله عز وجل يعيش المسلم حياة طيبة، قال الله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(النحل:97). قال ابن كثير: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا ـ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه، من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن العمل الأمور به مشروع من عند الله ـ بأن يحييه حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت".

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة