حدث في مثل هذا الأسبوع (19 – 25 رمضان)

0 479

وفاة الشيخ العلامة أبي الحسن الندوي 23 رمضان سنة 1420هـ (1999م):
الشيخ أبو الحسن الندوي رمز بارز من رموز الدعوة الإسلامية، متعدد المواهب عظيم المناقب ويعد من أبرز القيادات الإسلامية والفكرية في النصف الثاني من القرن العشرين.
والشيخ أبو الحسن من أشهر العلماء المسلمين في الهند، عالم رباني وداعية مجاهد وأديب تميز بجمال الأسلوب وصدق الكلمات، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات.
جمع إلى كونه فقيها متمكنا ومحدثا ومفسرا ملهما أنه كان داعية مخلصا، وأديبا مرهفا، ومؤرخا دقيقا، له إطلاع واسع على الثقافة المعاصرة، ومعرفة بأسباب رقي الأمم وتقدمها، وعوامل تخلفها وسقوطها.
اسمه ونشأته
هو أبو الحسن علي بن عبد الحي بن فخر الدين بن عبد العلي الحسني الندوي، ينحدر من أسرة كريمة تنتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه و سلم عن طريق محمد النفس الزكية.
هاجر أسلافه إلى الهند في القرن السابع الهجري وكان أول من وصل منهم هناك الشيخ قطب الدين محمد المدني، ابن أخت الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهذه الأسرة لا تزال تحافظ على أنسابها إلى هذا اليوم وتحافظ على صلاتها بأصلها، وإن كانت تتحدث الهندية أو تعيش في الهند منذ قرون عديدة.
والشيخ الندوي ينتسب كغيره من الندويين إلى ندوة العلماء في "لكهنو" بالهند التي تخرج منها وهي جامعة شرعية خرجت مئات العلماء والدعاة.

ولد رحمه الله في مديرية بالهند تسمى "راي بريلي"، وهي تبعد عن "لكهنؤ" سبعين كيلومترا تقريبا، وكانت الولادة بقرية " تكيه كلان " في 6 محرم عام 1332هـ الموافق 1914م.
توفي والده -العلامة السيد عبد الحي الحسني الشهير بالعلم والفضل - وهو دون العاشرة فأشرف أخوه الكبير على تربيته، والتزم التزاما شديدا بأمور خمسة هي وصية أمه التي كان الشيخ أبو الحسن يرجع لها فضل التوفيق والقبول بسبب دعائها الصادق والكثير، و هذه الأمور الخمسة هي أداء الصلوات الخمس مع الجماعة، واحترام الكبير مع التواضع، وترك مجالسة المستخدمين واختيار رفاق الخير، والامتناع من قراءة القصص غير المجدية، ومطالعة الكتب والرسائل البناءة.
تحول الشيخ الندوي من قريته إلى مدينة " لكهنؤ " مدينة العلم والثقافة، ومدينة الشعر والأدب، ومركز حركة ندوة العلماء ذات المنهل العذب الصافي للعلوم والمعارف والحضارة الإسلامية، ومورد العلماء والدعاة والصالحين. 

حفظ الشيخ القرآن، وتعلم الأردية والإنجليزية والعربية، تمكن في بداية تعليمه من اللغة العربية الفصحى، وحضر بعد تعلمه العربية بنحو سنتين مؤتمر ندوة العلماء سنة 1926م في مدينة "كانفور" فتحدث مع بعض علماء العرب بالعربية وهو ابن اثني عشر عاما، فأعجبوا به.
ثم التحق بقسم اللغة العربية بجامعة "لكهنؤ" بإشارة من شيخه الجليل خليل بن محمد اليماني، ونال شهادة فاضل أدب بتفوق، وفاز بوسام عام 1927م، ثم تعلم اللغة الأردية ما بين عامي 1927ـ1930، ثم اللغة الإنكليزية، وتلقى دروس الأدب الإنكليزي، ثم طلبت منه أمه أن يتعلم محاسن اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
انتظم طالبا في دار العلوم ندوة العلماء فقرأ كتب الحديث الستة على محدث العصر الشيخ حيدر حسن خان، وبعض تفاسير القرآن كتفسير البيضاوي، وبعض أبواب الفقه على الشيخ شبلي الفقيه وغيره. وأخيرا تتلمذ على يد أكبر علماء علوم القرآن والتفسير الشيخ أحمد علي اللاهوري، ولقي شاعر الإسلام محمد إقبال، ونقل قصائده إلى اللغة العربية.

عين –بعد ذلك- مدرسا بدار العلوم لندوة العلماء في عام 1934م.
دفعته همته الباكرة -صغيرا- إلى كتابة مقال، وعمره (18 سنة) يتحدث فيه عن جده المجاهد أحمد بن عرفان شهيد الإسلام، وبعث به إلى (مجلة المنار) المصرية التي يقوم عليها العلامة محمد رشيد رضا فنشره، وبدأ الندوي الدعوة إلى الله على المنابر خطيبا.
ثم سافر إلى (دلهي) في رحلة علمية، فالتقى بعالمها الكبير الشيخ محمد إلياس؛ فعزم الندوي أن يكون داعية بلسانه، كما يكتب بقلمه، ولكنه رأى أن يدعو ويرحل إلى العالم الإسلامي كله، بدلا من الدعوة في الهند فقط كما فعل شيخه إلياس، فرحل إلى الحجاز مرات، وإلى مصر، والمغرب، والشام، وتركيا، وزار أميركا، والدول الأوربية، وطوف بأكثر عواصم العالم الإسلامي، وكانت رحلاته عظيمة التأثير.
طاف الندوي بالعالم مشرقه ومغربه وشرقه وغربه يحمل هم الدعوة ويحاور ويطرح هموم المسلمين ومشكلاتهم، والتقى رجال العلم والدعوة والفكر والإصلاح في العالم الاسلامي.

أعماله ومناصبه
بدأ الندوي رحلاته الدعوية عام 1939م في الهند، وأسس مركزا للتعليم الإسلامي عام 1943م، ثم اختير عضوا في المجلس الانتظامي لندوة العلماء عام 1948م، ثم أسس حركة رسالة الإنسانية عام 1951م، والمجمع الإسلامي العلمي عام 1959م، في "لكهنؤ" بالهند، واختير أمينا عاما لندوة العلماء عام 1961م –التي ظل بها حتى وفاته، وأدار الجلسة الأولى لتأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1962م نيابة عن رئيسها سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -وقد حضر أولها جلالة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود كما حضرها الملك إدريس السنوسي حاكم ليبيا، وشخصيات أخرى ذات شأن -وقدم فيها مقاله القيم "الإسلام فوق القوميات والعصبيات".
اختير الندوي عضوا في المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ تأسيسها عام 1962م، وظل عضوا فيه إلى انحلال المجلس وانضمام الجامعة في سلك بقية الجامعات السعودية تابعة لوزارة التعليم العالي، كما دعا إلى تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1984م، واختير أول رئيس لها عام 1986م.
حصل الندوي على عضوية كثير من الهيئات والمؤسسات الدعوية العلمية والعالمية منها: رابطة الجامعات الإسلامية منذ تأسيسها، والمجمع العلمي بدمشق، ومجمع اللغة العربية الأردني عام 1980م، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) بالأردن عام 1983م، كما منح درجة الدكتوراة الفخرية في الآداب من جامعة كشمير عام 1981م، واختير رئيسا لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993م، وبعد وفاته صار بالمعهد درجة زمالة (أبو الحسن الندوي)، وممن منح هذه الزمالة أ.د. وهبه الزحيلي عام 2000م.
ونال الشيخ جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 1400هــ كما نال شخصية العام الإسلامية سنة 1419 هـ التابعة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم وغيرها من الجوائز والتكريم

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

هو أشهر كتاب ألفه الشيخ أبو الحسن الندوي وهو يدور حول فكرة مهمة جدا وهي دور الإسلام في قيادة البشرية، انتهى من تأليفه سنة 1944 وانتقل به إلى العالمية، فأصبح عالم أمة بعد أن كان عالما وداعية هنديا.
وانتشر الكتاب انتشارا لافتا، فقلما تخلو منه مكتبة، ويندر أن تجد ناشرا للثقافة الإسلامية إلا وقد قرأه وأفاد منه، واعترف القاصي والداني بأن الكتاب قد سد ثغرة في المكتبة الإسلامية، تتحدث عن عظمة الرسالة الخالدة، والجناية الرهيبة على العالم عندما تعاونت قوى شريرة على إخماد جذوته.
ما أحوج المسلمين اليوم إلى من يرد عليهم إيمانهم بأنفسهم وثقتهم بماضيهم ورجاءهم في مستقبلهم.. وما أحوجهم لمن يرد عليهم إيمانهم بهذا الدين الذي يحملون اسمه ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة أكثر مما يتخذونه بالمعرفة.

إن الإسلام عقيدة استعلاء، من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن بها احساس العزة من غير كبر، وروح الثقة في غير اغترار، وشعور الاطمئنان في غير تواكل. وأنها تشعر المسلمين بالمهمة الإنسانية الملقاة على كواهلهم، تبعة الأمانة و الدعوة، وهداية البشرية إلى الدين القيم، والطريق السوي، وإخراجها من الظلمات إلى النور بما آتاهم الله من نور الهدى والفرقان.
وهذا الكتاب يثير في نفس قارئه هذه المعاني كلها، وينفث في روعه تلك الخصائص جميعها، ولكنه لا يعتمد في هذا على مجرد الاستثارة الوجدانية أو العصبية الدينية، بل يتخذ الحقائق الموضوعية أداته، ويعرض الوقائع التاريخية والملابسات الحاضرة عرضا عادلا مستنيرا، ويتحاكم في القضية التي يعرضها كاملة إلى الحق والواقع والمنطق والضمير. 

مختارات من كلامه :
أحب النبي القوم بكل قلبه، فأعطوه بكل قواهم.
- أنا لم أستفد في حياتي من شيء كما استفدت من قصص السيرة التي كانت ترويها لي جدتي وعمري عشر سنوات.
- السمة التي لا تخطئ المجددين في تاريخنا هي قيام الليل، إذ لم يوجد مصلح في الأمة لا يعرف عنه قيام الليل.

- التكبير المدوي في الآفاق والنضال العملي لإعلاء كلمة الله أفضل من كثير من نوافل الطاعات الصامتة والتسبيح والابتهالات الشخصية في عزلة عن واقع الأمة.
- علة المسلم اليوم هو الرضا والهدوء الزائد، فلا يقلقه فساد ولا يزعجه انحراف، ولا يهيجه منكر ولا يهمه غير مسائل الطعام واللباس.

- إن التقوى المنشودة ليست مسبحة درويش ولا عمامة متمشيخ ولا زاوية متعبد، إنها علم وعمل، ودين ودنيا، وروح ومادة، وتخطيط وتنظيم، وتنمية وإنتاج، وإتقان وإحسان.

- إن من العار على الأمة أن تعجز عن الانتفاع بمنابع ثروتها وقوتها وأن يجري ماء الحياة في عروقها وشرايينها إلى أجسام غيرها.

- إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية - مع الأسف - ضعيفة الوعي - إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي - فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملهما معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح.. ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان.

- كلما تقدمت أوربا في القوة والسرعة، وكلما ازدادت وسائلها ووسائطها، ازداد هذا القطار البشري سرعة إلى الغاية الجاهلية حيث النار والدمار والاضطراب والتناحر والفوضى الاجتماعي والانحطاط الخلقي والقلق الاقتصادي والإفلاس الروحي.

مؤلفاته

كان الشيخ رجمه الله غزير الانتاج، صاحب منهج متميز عن غيره بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربية والأوردية والانجليزية والفارسية، وسعة اطلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلامية، فضلا عن تعمقه في التاريخ الإسلامي، وقد تميزت مؤلفاته كلها بالغوص العميق في فهم أسرار الشريعة، والتحليل العميق لمشاكل العالم الإسلامي.
بلغ مجموع مؤلفات الندوي وترجماته نحو 700 عنوانا ما بين كتاب كبير له أجزاء و كتاب من جزء واحد وبحث ورسالة صغيرة، منها 177 عنوانا بالعربية، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها.
و هذه قائمة بأسماء بعض كتبه :
1- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
2- مختارات من الأدب العربي جزءان.
3- القراءة الراشدة لتعليم اللغة العربية في المدارس الإسلامية (3 أجزاء).
4- روائع إقبال.
5- ربانية لا رهبانية.
6- النبوة والأنبياء في ضوء القرآن.
7- السيرة النبوية.
8- حديث مع الغرب.
9- المسلمون وقضية فلسطين.
10- إلى الإسلام من جديد.
11-الطريق إلى المدينة المنورة.
12- الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية.
13-رجال الفكر والدعوة في الإسلام. (أربعة أجزاء)
14-الأركان الأربعة (الصلاة والصوم والزكاة والحج) في ضوء الكتاب والسنة مقارنة مع الديانات الأخرى.
15- التربية الإسلامية الحرة.
16- إذا هبت ريح الإيمان.
17- روائع من أدب الدعوة في القرآن والسنة.
18- أحاديث صريحة في أمريكا.
19- الصراع بين الإيمان والمادة.
20- العرب والإسلام.
21- الإسلام وأثره في الحضارة وفضله على الإنسانية.
22- قصص النبي للأطفال (5 أجزاء).
23- (في مسيرة الحياة) 3 أجزاء.
24- ردة ولا أبا بكر لها.
25- (محاضرات إسلامية في الفكر والدعوة) ثلاث مجلدات
26- (مقالات إسلامية في الفكر والدعوة) مجلدان.
27- من أعلام المسلمين ومشاهيرهم.
28- المسلمون في الهند.
29- مذكرات سائح في الشرق العربي.
30- الاجتهاد ونشأة المذاهب الفقهية.
31- إزالة أسباب الخذلان أهم من إزالة آثار العدوان.
32- تأملات في القرآن الكريم.
33- ترشيد الصحوة الإسلامية.
34- حاجة العالم إلى الدعوة الإسلامية.
35- غارة التتار على العالم الإسلامي و ظهور معجزة الإسلام.
36- فاستخف قومه فأطاعوه.
37- القادياني والقاديانية.
38- المد والجزر في تاريخ الإسلام.
39- مستقبل الأمة العربية الإسلامية بعد حرب الخليج.
40- هلال رمضان يتكلم.
41- وأذن في الناس بالحج.
42- وامعتصماه.
43- المدخل إلى دراسات الحديث النبوي الشريف.
44- المدخل إلى الدراسات القرآنية.
46- مسؤولية الأمة الإسلامية أمام الأمم والعالم.
47- مسؤولية العلماء في الأوضاع المتغيرة.
48- أزمة هذا العصر الحقيقية.
49- الإسلام فوق القوميات والعصبيات.
50- دراسة للسيرة النبوية من خلال الأدعية المأثورة المروية.
51- دور الإسلام في تقدم البلاد التي دخلها.
52- روائع من أدب الدعوة في القرآن والسيرة.
53- محمد رسول الله الرسول الأعظم وصاحب المنة الكبرى على العالم.
54- نظرة جديدة إلى التراث الأدبي العربي.
55- الإسلام والمستشرقون.
حسن الخاتمة
في يوم مبارك وفي شهر مبارك وفي حال مباركة توفي الشيخ أبو الحسن الندوي في العشر الأواخر من رمضان، وفي يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقبل صلاة الجمعة، وقد توضأ واستعد للصلاة، وشرع يقرأ القرآن كما تعود كل جمعة، فوافاه أجله على أفضل حال، كان ذك يوم الجمعة 23 من رمضان 1420هـ الموافق 31 من ديسمبر 1999م ( آخر يوم في القرن العشرين )، عن 86 عاما، بعد حياة مليئة بجلائل الأعمال.
كانت وفاته بمسجد قريته "تكيه كلان " بمديرية "راي باريلي" في شمال الهند وجرى دفنه مساء نفس اليوم في مقبرة أسرته بالقرية.
وفي ليلة 27 من شهر رمضان المبارك سنة 1420هــ وبحضور الملايين من المسلمين، نودي لصلاة الجنازة عليه صلاة الغائب في الحرمين الشريفين بعد صلاة العشاء على المنائر" الصلاة على سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي.. الصلاة على الميت الغائب يرحمكم الله".رحمه الله وغفر له.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة