- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الشرك والكفر
خلق الله عز وجل الخلق لعبادته وتوحيده، قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56). قال ابن كثير: "أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم". وقال القرطبي: "والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون". وأعظم ذنب عصي به الله عز وجل هو الشرك به. قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}(لقمان:13). وكفى بالشرك بالله إثما وشرا أن عاقبته الحرمان من الجنة والخلود في النار، قال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(المائدة:72). وقال عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}(النساء:48).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ فقال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) رواه مسلم.
الشرك بالله عز وجل ينقسم إلى قسمين:
ـ الأول: الشرك الأكبر وهو على أنواع: شرك في الربوبية: وهو اعتقاد أن ثمة متصرف في الكون بالخلق والتدبير مع الله سبحانه. وشرك في الألوهية: وهو صرف العبادة أو نوع من أنواعها لغير الله عز وجل. وشرك في الأسماء والصفات: وهو اعتقاد أن ثمة مخلوق متصف بصفات الله عز وجل كاتصاف الله بها. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأنواع في جملة واحدة من جوامع الكلم حين سئل عن الشرك بالله فقال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) رواه البخاري. قال السعدي في كلامه عن الشرك الأكبر: "أن يجعل لله ندا يدعوه كما يدعوا الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة".
ـ والقسم الثاني من الشرك: الشرك الأصغر. والشرك الأصغر وإن لم يكن مخرجا من الإسلام ولا يخلد صاحبه في النار، إلا أنه ينبغي عدم التهاون به، والحذر منه كل الحذر، والبعد عنه كل البعد، وإذا لقي العبد ربه به من غير توبة منه، كان تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة. والشرك الأصغر ينقص الإيمان، وهو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وقد يكون في الأقوال وقد يكون في الأعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم سماه شركا.. وصور الشرك الأصغر عديدة يصعب حصرها، قال ابن القيم في "مدارج السالكين": "وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله… وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت".
آثار وأضرار الشرك بالله:
الشرك بالله عز وجل له آثار خطيرة، وأضرار مهلكة، والآثار والأضرار المترتبة على الشرك بالله لا يمكن حصرها لكثرتها، ويكفي العاقل زجرا واحدة منها، ومن ذلك:
1 ـ الشرك الأكبر لا يغفره الله إذا مات صاحبه قبل التوبة منه ويحرم عليه الجنة، قال الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(النساء:48). وقال عز وجل: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(المائدة:72). قال السعدي: "{إنه من يشرك بالله} أحدا من المخلوقين، لا عيسى ولا غيره. {فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} وذلك لأنه سوى الخلق بالخالق، وصرف ما خلقه الله له - وهو العبادة الخالصة - لغير من هي له، فاستحق أن يخلد في النار. {وما للظالمين من أنصار} ينقذونهم من عذاب الله، أو يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار) رواه مسلم.
2 ـ الشرك بالله عز وجل أعظم الظلم وأشد الافتراء، قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}(لقمان:13). وقال سبحانه: {ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}(النساء:48). قال ابن كثير: "أي: هو أعظم الظلم". وقال السعدي: "{إن الشرك لظلم عظيم} ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سوى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟! وهل أعظم ظلما ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة ـ فجعلها في أخس المراتب ـ جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا".
3 - خسارة الدنيا والآخرة، والبعد والضلال عن الطريق المستقيم، قال الله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}(الحج:13:11). قال ابن كثير: "قوله: {خسر الدنيا والآخرة} أي: فلا هو حصل من الدنيا على شيء، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة، ولهذا قال: {ذلك هو الخسران المبين} أي: هذه هي الخسارة العظيمة، والصفقة الخاسرة. وقوله: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} أي: من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره، {ذلك هو الضلال البعيد}. {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} أي: ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن". وقال السعدي: "{يدعو} هذا الراجع على وجهه {من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا، {ذلك هو الضلال البعيد} الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني، وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب، ولهذا قال: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم {لبئس المولى} أي: هذا المعبود".
4 ـ الشرك بالله يفقد الأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(الأنعام:82). قال ابن كثير: "أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة".
5 - ومن آثار وأضرار الشرك بالله عز وجل: أنه يحبط جميع الأعمال، فلا ينفع معه عمل مهما عظم شأنه، قال الله تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}(الأنعام:88)، وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}(الزمر:66:65). قال السعدي: "وذلك لأن الشرك بالله محبط للأعمال، مفسد للأحوال، ولهذا قال: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} من جميع الأنبياء. {لئن أشركت ليحبطن عملك} هذا مفرد مضاف، يعم كل عمل، ففي نبوة جميع الأنبياء، أن الشرك محبط لجميع الأعمال". وقال الله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}(الفرقان:23). قال ابن كثير: "وذلك أنهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها شيء، فلما عرضت على الملك الحكيم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدا، إذا إنها لا شيء بالكلية. وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق، الذي لا يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية، كما قال الله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}(إبراهيم:18)".
6 ـ الشرك بالله عز وجل أكبر كبائر الذنوب. فالذنوب التي يقع فيها المؤمن منها الصغائر ومنها الكبائر، والكبائر هي الذنوب العظام التي تعلق بها وعيد في الآخرة، أو حد وعقوبة في الدنيا، كالقتل وشرب الخمر والزنا، وغير ذلك، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أكبر هذه الكبائر وأعظمها هو الشرك بالله. عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا فقال: - ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين: "(ألا) أداة عرض استفتح بها النبي صلى الله عليه وسلم كلامه للتنبيه، تنبيه المخاطب إلى أمر ذي شأن، ولهذا قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا بلى يا رسول الله قال: الشرك بالله) وهذا أعظم الظلم وأكبر الكبائر وأشد الذنوب عقوبة، لأن من يشرك بالله فإن الله قد حرم عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار".
7 ـ الشرك بالله يسقط صاحبه ويهوي به من العزة والكرامة إلى الذلة والمهانة، قال الله تعالى: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}(الحج:31). قال السعدي: "{ومن يشرك بالله} فمثله {فكأنما خر من السماء} أي: سقط منها {فتخطفه الطير} بسرعة {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} أي: بعيد، كذلك المشرك، فالإيمان بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة. ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دينه ودنياه". وقال ابن القيم: "تأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره.. وعلى هذا فيكون قد شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض، وإليها يصعد منها، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير الذي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله سبحانه وتعالى عليه وتؤزه أزا وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلاكه، فكل شيطان له مزعة من دينه وقلبه كما أن لكل طير مزعة من لحمه وأعضائه، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء".
8 ـ الشرك بالله يوجب لصاحبه عذاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات}(الأحزاب:73). قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان": "والمقصود أن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله وأكرهها له وأشدها مقتا لديه، ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره.. وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية".
قال الشيخ حافظ الحكمي:
والشرك نوعان: فشرك أكبر به خلود النار إذ لا يغفر
وهو اتخاذ العبد غير الله ندا به مسويا مضاهي
والثان شرك أصغر وهو الريا فسره به ختام الأنبيا
ومنه إقسام بغير الباري كما أتى في محكم الأخبار
وقال:"والنوع الثاني من نوعي الشرك: شرك أصغر، لا يخرج من الملة (الإسلام)، ولكنه ينقص ثواب العمل، وقد يحبطه إذا زاد وغلب، وهو الرياء اليسير في تحسين العمل، فسره به أي: فسر الشرك الأصغر بالرياء خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء)".
هذه بعض آثار وأضرار الشرك بالله عز وجل، والواجب على المسلم أن يحذر كل الحذر من الشرك صغيره وكبيره، وأن يجتنب ويبتعد كل البعد عن الوسائل والأسباب القولية والفعلية التي تؤدي إليه وتوقع فيه، وأن يكثر من دعائه لربه سبحانه أن ينجيه منه، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}(إبراهيم:35)، قال السعدي: "أي: اجعلني وإياهم جانبا بعيدا عن عبادتها". قال إبراهيم التيمي: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!".