محمَّد صلى اللهُ عليه وسلم أفْضَل الخَلْق وليس أوَلهم

0 528

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء والرسل، بل هو خير خلق الله أجمعين. قال الله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}(البقرة: 253). قال السعدي: "فكل الأنبياء لو أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع) رواه مسلم. قال النووي: "وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين وغيرهم".
وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "إن أكرم خليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقيل له: رحمك الله فأين الملائكة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي وهل تدري ما الملائكة؟ إنما الملائكة خلق كخلق الأرض، وخلق السماء، وخلق السحاب، وخلق الجبال، وخلق الرياح، وسائر الخلائق، وإن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم". وذكر ابن تيمية أثر عبد الله بن سلام رضي الله عنه ثم قال: "وما علمت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك، وهذا هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم". وقال ابن عليش:"أجمع المسلمون على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من باقي المخلوقين من الإنس والملائكة والجن، وشاعت أفضليته وذاعت وصارت كالمعلومات الضرورية حتى عند العوام".

النبي صلى الله عليه وسلم ليس أول المخلوقات:
نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه مع كونه أفضل الخلق والأنبياء والرسل منزلة وخلقا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم ليس أولهم خلقا، فهو ليس أول المخلوقات التي خلقها الله عز وجل. ومعلوم أن أن الأفضلية ليست في الأسبقية في الوجود، بل الأفضلية بتفضيل الله عز وجل. ولم يذكر أحد من علماء السنة ـ سلفا وخلفا ـ أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أول خلق الله.
وقد ذكر العلماء ـ من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ـ أن أول ما خلق الله تعالى الماء، والعرش، ثم القلم، ثم السماوات والأرض، واختلف في العرش والماء أيهما خلق أولا، فقيل، إن العرش خلق أولا، وهذا رجحه ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، وقيل: إن الماء هو الأول، ورجحه بدر الدين العيني وغيره.. وقد اتفقوا جميعا أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس أول خلق الله كما يظن ويدعي البعض. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) رواه أبو داود وصححه الألباني. وروى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض).
وأول ما خلق الله تعالى من البشر هو آدم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء}(النساء:1). قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة، وهي آدم عليه السلام {وخلق منها زوجها} وهي حواء عليها السلام". وقال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}(البقرة:30). قال السعدي: "هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك، وأن الله مستخلفه في الأرض".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. يقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك..) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والناس بنو آدم، وآدم من تراب) رواه الترمذي وصححه الألباني. (والناس بنو آدم) أي: كلهم أبناء آدم عليه السلام وأولاده وذريته. فآدم عليه الصلاة والسلام هو المخلوق الأول من البشر، وإن كان هناك قبله من المخلوقات الأخرى. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم.

فوائد:
1 ـ بين الحين والحين، وبعض الناس يتناقلون أحاديث موضوعة أو ضعيفة ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يدعون منها وفيها أن الله تعالى خلق محمدا صلى الله عليه وسلم من نور، وأنه صلى الله عليه وسلم أول من خلق الله. ومن ذلك: حديث: (أول ما خلق الله تعالى نوري) وفي لفظ: (أول ما خلق تعالى نور محمد صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: (يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله..)، وفي لفظ: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).. وقد ذكر علماء الحديث أن هذه الأحاديث ضعيفة أو موضوعة.
ويرد هذه الأحاديث وما شابهها من أحاديث ضعيفة أو موضوعة ما رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم (يعني: خلق من طين من تراب من صلصال كالفخار)).
قال الحافظ السيوطي في " الحاوي للفتاوي" في كلامه على حديث: (يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره): "ليس له إسناد يعتمد عليه". وذكر ـ السيوطي ـ في "قوت المغتذي على جامع الترمذي" بعد أن ذكر الحديث: "(أول ما خلق الله تعالى القلم) فقال: "أما حديث أولية العقل فليس له أصل، وأما حديث أولية النور المحمدي فلا يثبت".
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" في كلامه وشرحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (خلقت الملائكة من نور..): "وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه..".

2 ـ
لم تخلق السماوات والأرض، والجنة والنار، من أجل النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعي ويظن البعض، ويستشهدون بحديث: (.. فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار..) قال الذهبي: "أظنه موضوعا"، ووافقه الحافظ ابن حجر. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة": "لا أصل له". وسئل ابن تيمية: "هل الحديث الذى يذكره بعض الناس: (لولاك ما خلق الله عرشا ولا كرسيا ولا أرضا ولا سماء ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك) صحيح هو أم لا ؟ فأجاب بقوله في "مجموع الفتاوى": "محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: "إن الله خلق من أجله العالم"، أو "أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا" لكن ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يدرى قائله".
وقال الشيخ ابن باز: "يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد، ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس، وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويعلم سبحانه وتعالى وليعبد جل وعلا".
فالله عز وجل لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل، ولم ينزل الكتب، إلا من أجل تحقيق أسمى الغايات ألا وهي عبادته سبحانه قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56). قال السعدي: "هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته".

3 ـ
كون النبي صلى الله عليه وسلم نورا هو أمر معنوي، فللنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده. قال الله تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}(المائدة:16:15). قال الطبري: "{من الله نور} يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام". وقال البغوي: "يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، وقيل: الإسلام". وقال الله تعالى: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}(الأحزاب:46:45)، قال ابن كثير: "{وسراجا منيرا} أي: وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق، كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند". وقال البغوي: "سماه سراجا لأنه يهتدى به كالسراج يستضاء به في الظلمة ". وقال الطبري: "{وسراجا منيرا} يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده {منيرا} يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره، وإنما يعني بذلك: أنه يهدي به من اتبعه من أمته". وقال ابن عاشور: "أي أرسلناك كالسراج المنير في الهداية الواضحة التي لا لبس فيها والتي لا تترك للباطل شبهة إلا فضحتها وأوقفت الناس على دخائلها، كما يضيء السراج الوقاد ظلمة المكان".

4 ـ
من منهج وعقيدة أهل السنة في محبة وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم عدم الغلو فيه، فلا يرفع إلى منزلة الخالق عز وجل، أو يعتقد فيه ما هو من خصائص الرب سبحانه. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني (تبالغوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا) رواه الطبراني وصححه الألباني.
ومع عدم الغلو فيه صلى الله عليه وسلم فلا جفاء معه، فلا يعرف فضله وقدره، ولا يقام بحقوقه، ولا يتأدب معه بما أوجبه الله علينا نحوه صلوات الله وسلامه عليه.. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر) رواه الترمذي وصححه الألباني.

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم أجمعين، وهو أفضل خلق الله ورسله، وأعظمهم منزلة وقدرا، قال القاضي عياض: "تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر وإجماع الأمة كونه صلى الله عليه وسلم أكرم البشر وأفضل الأنبياء". وقال ابن كثير: "فهو صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، قطعا جزما لا يحتمل النقيض". ولكنه صلى الله عليه وسلم مع هذا الفضل وتلك المنزلة بشر من بني آدم، ولد من أبوين، يجوع ويمرض، ويفرح ويحزن، قال الله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد}(الكهف:110).. ومع علو منزلته وعظم فضله صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل وجميع المخلوقات، فإنه ليس أول المخلوقات ولم يخلق من نور، لأن آدم عليه الصلاة والسلام هو أول المخلوقات من البشر، ونبينا صلى الله عليه وسلم وجميع البشر من ذرية آدم. قال صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم (يعني: خلق من طين من تراب من صلصال كالفخار)).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة