- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات الأحكام
وقد كان من صفات اليهود كتمان بعض العلوم التي أنزلها الله عليهم وتحريفها، ومن ذلك كتمانهم صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي ذكرت في كتبهم، وكذلك كتمانهم أحكام الرجم التي جاءت في شريعتهم أيضا، قال الله في ذلك: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160)} [البقرة: 159، 160]، قال الواحدي في هذه الآية: "نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم"، أي صفته صلى الله عليه وسلم، والبشارة التي جاءت به في كتبهم أيضا، قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157].
قال الآلوسي في معنى الكتمان هو: "ترك إظهار الشيء قصدا مع مساس الحاجة إليه، وتحقق الداعي إلى إظهاره، وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه، وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه، واليهود -قاتلهم الله تعالى- ارتكبوا كلا الأمرين"، فقد ستروا آية الرجم بأيديهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحوا اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من كتبهم، ومحو صفته أيضا؛ فاستحقوا بذلك اللعن والطرد من رحمة الله.
والمقصود بالكتاب في قوله تعالى: {في الكتاب} [البقرة: 159]، أي الكتب التي أنزلها الله تعالى: كالتوراة والإنجيل وغيرها.
وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في اليهود خاصة؛ إلا أنها تشمل كل من كتم شيئا من الكتاب أو العلم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون، وسبق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، رواه أبو داود. وذلك الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآية أيضا، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} [البقرة: 159] إلى قوله {الرحيم} [البقرة: 160]".
وذكر الإمام الرازي في تفسير هذه الآية فقال: "احتجوا بهذه الآية على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على التعليم؛ لأن الآية لما دلت على وجوب ذلك التعليم كان أخذ الأجرة عليه أخذا للأجرة على أداء الواجب، وأنه غير جائز"، غير أن جمعا من علماء المسلمين المتأخرين لـما رأوا تهاون الناس في تعلم علوم الشريعة وتعليمها؛ أباحوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن وغيره من العلم الشرعية، وذلك حتى لا تضيع علوم الشريعة والدين.