- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:معالجات نبوية
غني عن الاستدلال ما أحرزه الإسلام من تقدم لا نظير له في مفهوم حقوق الإنسان، وإن كان هذا المصطلح أكثر تداولا في أروقة السياسة العالمية، في حين لم يشهد التأريخ البشري ترديا في حقوق الإنسان كما تشهده البشرية اليوم، فإنسانية الإنسان في ظل النظام العالمي اليوم تتلاشى شيئا فشيئا، ولا يزال أعداء الإنسانية يتفننون في سلب الإنسان حقوقه وإنسانيته حتى جعلوا منه كائنا تائها يعيش لشهواته اللامحدودة، متمردا على كل القيم والأسس الأخلاقية.
وفي هذا المقال نقف على مقدمة إجمالية لهذا المفهوم من خلال السنة النبوية القولية والعملية، يتضح من خلالها أن الإنسان هو مركز الاهتمام، وأنه هو محور رسالة النبي صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا وعقلا، وقد أرسى عليه الصلاة والسلام أوثق مبادئ حقوق الإنسان بالقول والعمل، فلم يخرج للعالم بميثاق أو إعلان شكلي فحسب، بل جعل للإنسانية قداسة تحوطه من كل جانب لا يسمح بانتقاصها ولا الاعتداء عليها.
الاهتمام بالإنسان جسدا:
دعت السنة النبوية إلى الاهتمام بجسم الإنسان، وتنميته، والعناية بصحته، وعدم تكليفه فوق طاقته ولو بالعبادة والتقرب إلى الله، كما في حديث عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان، وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل؟ قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال: سلمان قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان رواه البخاري في صحيحه، وفي رواية في صحيح ابن حبان: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، أعط كل ذي حق حقه.
وفي صحيح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، ومما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، أخرجه مسلم في صحيحه.
وهناك أحاديث كثيرة تدعو إلى إكرام البدن والحفاظ عليه، سواء فيما ورد في النظافة والتجمل، أو في النهي عن الاعتداء عليه بأي نوع من الاعتداء، وخاصة الوجه، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، واللفظ للبخاري، وعند مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه... قال النووي في شرحه على مسلم: وفي رواية: لا يلطمن الوجه؛ لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر.
وإذا قلبنا صفحات السنة النبوية نجد عناية فائقة بهذا الجانب وبأدق التفاصيل الخاصة بالإنسان، وكيف اعتنت السنة بحقوقه في مجال العيش الكريم، كعناية السنة النبوية بحق الإنسان في العمل والكسب المشروع، وحقوق العمال، وعناية السنة النبوية بحق الإنسان في الاستفادة من الثروات الطبيعية، وإحياء الأرض وتملكها، وعناية السنة النبوية بحق الإنسان في حماية ملكيته الخاصة، ومنع المالك من الإضرار بغيره، وعناية السنة النبوية بحقوق الإنسان إذا اشترى وإذا باع، وهكذا في سائر الأبواب، والأحاديث يصعب حصرها في في مثل هذه العجالة.
الاهتمام بالإنسان روحا:
الانسان روح قبل أن يكون جسدا، وإذا كنا نتحدث عن الاعتناء ببدن الإنسان وصورته الخارجية، فالاعتناء بالإنسان معنويا سواء في عقله أو روحه، أو تفكيره، أو كرامته، أو أخلاقه، فمن البديهي أن نقول إن الإنسان بهذا الاعتبار هو محور اهتمام الإسلام، فقد حول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان العربي إلى نموذج فاعل وصالح مصلح يحمل مهمة الاستخلاف في الأرض، بعد أن كان قد وصل بعقله وروحه إلى أدنى دركات الانحطاط، كما يقول أبو رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا؛ جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به". رواه البخاري.
فهذبته هذه الرسالة في غرائزه وسلوكياته، وجعلت له مكانة وقيمة يشعر بها، وحررته من الخرافة والأوهام، وفي مجال الاعتناء بعقل الإنسان حمى الإسلام العقل من كل ما يشين به ودعا إلى تحريره وإيقاظه والعمل على تنميته للنهوض بمجتمع إسلامي سليم، فحرم الإسلام الخمر وكل ما يشاركه في العلة للحفاظ على العقل، كما في حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر، حرام، وما أسكر كثيره، فقليله حرام" رواه ابن ماجه، بل ومنع من تعرض العقل للشبهات التي قد تضعف انتماءه للحق الذي بين يديه، كما في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: "أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي". رواه أحمد والبيهقي في كتاب شعب الإيمان.
فهذه صورة واحدة من صور التخلف السائد في زمنهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير مفهوم علاقة الإنسان بمن حوله، فربطه بالسماء عقيدة وأخلاقا وعبادة، فكان هو الإنسان الذي لم يمر على الأرض أطهر منه بعد الأنبياء عليهم السلام، وصنع منهم جيلا متفردا على من جاء بعده إلى يوم القيامة، نال هذا الإنسان حق التعليم على الحقيقة، حيث تعلم العلم من مصدره الأول، وتحصل على العلم النافع، ونال حق الكرامة في ظل هذه الرسالة، فحمى عرضه وماله وحقوقه، ونال حق الاحترام، إن كان صغيرا فله حق الرعاية، وإن كان كبيرا فله حق التوقير والتقدير، وإن كانت امرأة فحياتها مكفولة عن التعرض لها بوأد أو ابتزاز، وكفلت لها حقوق النفقة والإسكان والإكرام، فحفظت رسالة الإسلام للناس أقدراهم وحمت حقوقهم، والسنة النبوية متوافرة على هذا بمئات الأحاديث والمرويات.
ولو فعلنا مقارنة سريعة بين ما حققته رسالة الإسلام لهذا الإنسان وبين ما أوصلته إليه الحضارة الغربية اليوم في ظل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لوجدنا أن الانسان في هذه الحضارة البائسة تحول الى مجرد ارقام بسبب المادية، وتعرضت إنسانيته لأبشع أنواع الانحراف من خلال الدعوة إلى الإباحية، واستهداف كيان الأسرة، من خلال الدعوة إلى استقلال الأبناء عن الآباء، وتحمل كل فرد مسؤولية نفسه دون الاهتمام ببقية أفراد الأسرة، وقطع روابط الصلات بين الأرحام، وتحويل الإنسان إلى آلة عاملة تعمل وتتوقف دون رعاية لارتباطاته وخصوصيات حياته.
ونجد أن مفهوم الإنسان عندهم هو الانسان الغربي، بينما مفهوم الإنسان في الرسالة النبوية هو الإنسان بالمعنى الشامل للإنسانية، وأما الغرب فحتى مع هذا التمييز العنصري فإن الاهتمام بالإنسان الغربي اهتمام شكلي لا يحترم إنسانيته وعقله وروحه وفطرته، فهو مفهوم انتهازي في طرحه لقضية حقوق الانسان فقد يهتم بها في بلد ويصعد على الانسان في بلد آخر، والمصلحة السياسية هي الحاكمة على حقوق الإنسان لدى الغرب.
وبالخلاصة سنجد عناية السنة بالإنسان تحوطه من جوانب كثيرة، كالجانب الصحي بشقيه الوقائي والعلاجي، وبالجانب النفسي، فيمكننا القول بإن الإنسان في السنة النبوية بل وفي الإسلام عموما هو محط عناية ومحور ارتكاز في هذه الرسالة شكلا وموضوعا.