مِنْ خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في جَسَدِه الشريف

0 78

خص الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم دون غيره من البشر بخصائص كثيرة، وحباه بصفات خلقية وخلقية عظيمة، فهو أعظم الناس خلقا كما قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم:4)، وأجملهم وأحسنهم خلقا، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا) رواه البخاري. والخصوصيات التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم تشريفا وتكريما له دون غيره من البشر في الدنيا والآخرة لا تحد ولا تعد، منها: الوسيلة والفضيلة، والشفاعة، والكوثر، وأنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يعبر الصراط من الرسل بأمته، وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تحت لوائه يوم القيامة، وأن الله أعطاه الله جوامع الكلم، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا، وأرسل إلى الخلق كافة، وختم به النبيون..
ومن هذه الخصوصيات التي خصه الله عز وجل بها في الدنيا: خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، والتي منها: خاتم النبوة بين كتفيه، ورؤيته وسماعه ما لا يراه ويسمعه غيره من الناس، وطيب عرقه صلى الله عليه وسلم.

خاتم النبوة:
خاتم النبوة هو بروز عند كتفه الأيسر بحجم البيضة الصغيرة، وهو من صفاته الجسدية صلى الله عليه وسلم التي وصف بها في الكتب السابقة عند أهل الكتاب، وكان دليلا من دلائل نبوته المذكورة في هذه الكتب السابقة قبل تحريفها، والتي كان أهلها يعرفونه صلى الله عليه وسلم بها، ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها. عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه زر الحجلة (بيض نوع من الطيور)) رواه البخاري. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده) رواه مسلم.
قال القرطبي: "اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر، قدره إذا قلل كبيضة الحمامة، وإذا كثر كجمع اليد". وقال ابن رجب: "وخاتم النبوة: من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل الكتاب ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها وقد روي: أن هرقل بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه".
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدحه ووصفه للنبي صلى الله عليه وسلم:
أغر عليه للنبوة خاتم    من الله مشهود يلوح ويشهد

يرى ما لا نرى:
خص الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم في جسده الشريف بأن جعل عينيه ترى ما لا يراه غيره من الناس، ومن أمثلة رؤيته صلى الله عليه وسلم ما لا يراه غيره من الناس، ما رواه البخاري عن أسامة رضي الله عنه قال: (أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم (حصن) من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) .
قال ابن حجر: "(أشرف) أي نظر من مكان مرتفع.. شبه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون". وقال في موضع آخر: "والرؤية بمعنى النظر، أي كشف لي فأبصرت ذلك عيانا".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الركوع والسجود، فوالله إني أراكم من خلف ظهري، إذا ركعتم وسجدتم) رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف، فقال: يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي) رواه مسلم.
والظاهر من سياق الحديثين أن الرؤية هنا رؤية بصرية لا مجرد إلهام أو وحي، كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح"، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله لأبصر)، ولو كان مقصده مجرد العلم لما كان لتقييده عليه الصلاة والسلام بالرؤية من وراء ظهره فائدة تفيد الخصوصية. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قالوا: يا رسول الله: رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك كففت؟! فقال: إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط..) رواه مسلم.

يسمع ما لا نسمع:
أعد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إعدادا خاصا يتيح له تلقي الوحي من جبريل عليه السلام، ورؤيته والسماع منه، وما يتبعه من رؤية وسماع ما سواه من الغيبيات، كالملائكة والجن والشياطين، أو سماعه لعذاب القبر ونحوه، فكان من الطبيعي أن يسمع النبي صلوات الله وسلامه عليه ما لا يسمعه غيره، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على ذلك.
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر (جمع قبر) ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع) رواه مسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله) رواه أحمد.
قال الشيخ الألباني: "النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس، وهذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه، والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه، فقد ثبت في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها: (هذا جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام يا رسول الله، ترى ما لا نرى).

طيب عرقه صلى الله عليه وسلم:
من خصوصياته صلى الله عليه وسلم في بدنه الشريف أن عرقه الذي يخرج منه ليس كعرق أحد من البشر. عن أنس رضي الله عنه أنه قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.
قال النووي: "قوله: (أزهر اللون): هو الأبيض المستنير وهي أحسن الألوان، وقوله: (كأن عرقه اللؤلؤ) أي: في الصفاء والبياض".
ولطيب رائحة عرقه الذي ليس لسائر البشر كانت أم سليم رضي الله عنها تجمع عرقه صلى الله عليه وسلم. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال (نام نومة القيلولة) عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت (تمسح وتجمع) العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب ) رواه مسلم.
قال إسحاق بن راهوية: "إن هذه الرائحة كانت رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طيب"، وقال النووي: "وهذا مما أكرمه الله تعالى به، ولكنه كان يضع الطيب، وذلك مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي ومجالسة المسلمين". وقال ـ النووي ـ: "قد قدمنا في كتاب الجهاد عند ذكر أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين إما من الرضاع وإما من النسب، فتحل له الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة، لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه".

فائدة:
مما لا شك فيه أن معرفة المسلم ما يخص نبيه صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا من الدين ومن العلم النافع، ولولا ذلك ما ذكر هذه الخصائص الصحابة رضوان الله عليهم وما نقلوها إلينا بهذا التفصيل الدقيق، ولما ذكرها علماء السنة والسيرة النبوية في كتبهم، وهذه الخصائص التي ذكروها ونقلوها منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما لا دليل له أصلا، ومن ثم فخصوصياته صلوات الله وسلامه عليه تثبت بالنص الصحيح الذي صححه العلماء، فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما جاء في القرآن الكريم وصحت به السنة النبوية، فإذا ثبتت له صلى الله عليه وسلم خصوصية أو معجزة من الخصائص والمعجزات الكثيرة الثابتة له صلى الله عليه وسلم وجب التسليم وعدم إخضاعها للعقل البشري، فواجب المسلم نحو الخصائص التي أكرم الله بها نبيه وأظهر فيها فضله وعلو منزلته والتي دلت عليها النصوص الصحيحة هو التسليم، وإن خالف ظاهرها عقله وتفكيره، فالأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلوات الله عليهم أجمعين وإن كانوا من البشر يأكلون ويشربون، ويصحون ويمرضون، ويمشون في الأسواق، وتعتريهم العوارض التي تمر على البشر من ضعف وشيخوخة وموت، إلا أن الله عز وجل اصطفاهم وأوحى إليهم، وفضلهم وخصهم بخصائص ومعجزات ليست لسائر البشر، قال الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}(الحج:75)، وقال:{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس}(البقرة: 253)، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(لكهف:110)، قال السعدي: " {قل} يا محمد للكفار وغيرهم: {إنما أنا بشر مثلكم} أي: لست بإله، ولا لي شركة في الملك، ولا علم بالغيب، ولا عندي خزائن الله، {إنما أنا بشر مثلكم} عبد من عبيد ربي، {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} أي: فضلت عليكم بالوحي، الذي يوحيه الله إلي".

من الخصائص التي خص الله عز وجل بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في جسده الشريف: خاتم النبوة، وأنه يرى ما لا نرى، ويسمع ما لا نسمع، وطيب عرقه صلى الله عليه وسلم، والتي نقلت إلينا نقلا صحيحا ثابتا، وصدق الصديق أبو بكر رضي الله عنه عندما قال عنه وهو يقبله بعد موته صلى الله عليه وسلم: (طبت حيا وميتا يا رسول الله)..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة