الإيمان بالجنة والنار

0 456

الجنة دار الله ودار كرامته، ومحل أوليائه وعباده الصالحين، وفي الجنة نعيم لا مثيل له، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وقد جاء وصف الجنة في الكثير من الآيات القرآنية، قال الله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا}(الرعد:35)، وقال تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}(محمد:15). والنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يخبر عن الجنة بما يشوق النفوس إليها ويشحذ الهمم لطلبها والسعي لها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة:17). وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: {وظل ممدود}(الواقعة:30)، وموضع سوط (آلة الضرب التي تتخذ من الجلد) في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}(آل عمران:185)) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينادي مناد (أي:على أهل الجنة): إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}(الأعراف:43)) رواه مسلم.
وللجنة أبواب ثمانية يدخل منها المؤمنون، قال الله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب}(ص:50)، وقال تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب}(الرعد:23). وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة تفتح أبوابها في رمضان، وفي يوم الاثنين والخميس. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس..) رواه مسلم. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، ـ أو فيسبغ الوضوء ـ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنة ثمانية أبواب: باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث".

وأما النار ـ والعياذ بالله ـ فهي مثوى الكافرين والمنافقين، والفجار والأشرار، نار: قال الله عز وجل عنها: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}(التحريم:6). قال ابن عاشور: "وتنكير {نارا} للتعظيم، وأجري عليها وصف بجملة وقودها الناس والحجارة زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار. وتذكيرا بحال المشركين الذي في قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم}(الأنبياء:98)، وتفظيعا للنار إذ يكون الحجر عوضا لها عن الحطب".. نار: أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقل أهلها وأهونهم عذابا بقوله: (إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه (ما لم يصب الأرض من باطن القدم) جمرة، يغلي منها دماغه) رواه البخاري..
 وللنار سبعة أبواب يدخل منها الكافرون ويخلدون فيها، ويدخل منها العصاة من المسلمين الذين شاء الله لهم ذلك ولا يخلدون فيها، قال الله تعالى: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم}(الحجر: 43 ـ 44) . قال ابن كثير: "أخبر أن لجهنم سبعة أبواب: {لكل باب منهم جزء مقسوم} أي: قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه، لا محيد لهم عنه - أجارنا الله منها ـ، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر فعله". وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجنة لها ثمانية أبواب، و النار لها سبعة أبواب) رواه أحمد. قال ابن عبد البر في "الاستذكار ": "وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب، وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها ـ، فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى، قال الله عز وجل: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب}(الحجر:44:43). وأما أبواب الجنة فموجودة في السنة من نقل الآحاد العدول الأئمة".

الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان ولا تفنيان:
اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار موجودتان معدتان لأهلهما ولا تفنيان، فالجنة رحمة الله تعالى ودار كرامة أعدها لأوليائه وعباده الصالحين، والنار دار عذابه أعدها للكافرين والفجار.. ولم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، وأهل السنة والحديث، وعلماء الإسلام ـ سلفا وخلفا ـ على اعتقاد ذلك وإثباته، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى عن الجنة: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}(آل عمران:133). وقال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله}(الحديد:21).
2 ـ وقال الله تعالى عن النار: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(البقرة:24). وقال تعالى: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين}(آل عمران:131).. وقد عبر القرآن الكريم بصيغة الماضي في قوله {أعدت} أي: هيئت وأعدت، وهذا التعبير يفيد أنهما مخلوقتان وموجودتان.
3 ـ عن أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء والمعراج ـ وفي آخر الحديث ـ قال صلى الله عليه وسلم: (ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ (قباب) اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك) رواه مسلم.
4 ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "انخسفت الشمس على عهد رسول الله.." ـ فذكر الحديث ـ وفيه فقال صلى الله عليه وسلم: (.. إني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته (تمكنت من قطفه) لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع) رواه البخاري.
5 ـ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار) رواه مسلم. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقد عقد البخاري في صحيحه بابا قال فيه: "باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة"، وذكر أحاديث منها ما تقدم. قال ابن حجر في "فتح الباري": "قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة‏)‏ أي موجودة الآن، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة، وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به‏:‏ فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن، ومنها ما يتعلق بصفتها‏.‏ وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد. قال: فلما خلق الله النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها ، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها ، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها)".

بعض أقوال علماء أهل السنة في أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان ولا تفنيان:
قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ): "وإن الله خلق الجنة قبل الخلق، وخلق لها أهلا، ونعيمها دائم.. وخلق النار قبل خلقه الخلق، وخلق لها أهلا وعذابها دائم". وقال أبو زرعة الرازي (المتوفى: 264هـ): "والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان لا يفنيان أبدا، والجنة ثواب لأوليائه، والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عز وجل". وقال الإمام الطحاوي ((المتوفى: 321هـ) في العقيدة السلفية التي تنسب إليه المعروفة بالعقيدة (الطحاوية): "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان، فإن الله تعالى: خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه". وقال ابن أبي العز الحنفي شارح (الطحاوية): "أما قوله: (الجنة والنار مخلوقتان)، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك". وقال الإمام الصابوني (المتوفى: 449هـ): "ويشهد أهل السنة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان، لا يفنيان أبدا". وقال ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل": وقال أهل الإسلام جميعا: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر..". وقال ابن حزم في كتابه "الملل والنحل": "اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها".
وقال ابن القيم: "في بيان وجود الجنة الآن: لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة، وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد، على اعتقاد ذلك وإثباته، مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة، وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، فإنهم دعوا الأمم إليها وأخبروا بها، إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة (من الفرق الضالة المخالفة لأهل السنة) فأنكرت أن تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة، وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة فيما يفعله الله، وأنه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعالهم". وقال السفاريني الحنبلي: "ولهذا صار السلف الصالح ومن نحا نحوهم يذكرون في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان، ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون فيها".
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل الجنة والنار موجودتان الآن؟ فأجاب بقوله: "نعم الجنة والنار موجودتان الآن، ودليل ذلك من الكتاب والسنة. أما الكتاب فقال الله تعالى في النار: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين}(آل عمران:131)، والإعداد بمعنى التهيئة، وفي الجنة قال الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}(آل عمران:133)، والإعداد أيضا التهيئة. وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة كسوف الشمس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فعرضت عليه الجنة والنار، وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقودا، ثم بدا له أن لا يفعل عليه الصلاة والسلام. وشاهد النار، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار والعياذ بالله، يعني أمعاءه قد اندلقت من بطنه فهو يجرها في النار، لأن الرجل أول من أدخل الشرك على العرب، فكان له كفل من العذاب الذي يصيب من بعده. ورأى امرأة تعذب في النار في هرة (قطة) حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن". وقال الشيخ حافظ حكمي: "والنار والجنة حق، وهما موجودتان لا فناء لهما".

الإيمان بالجنة والنار ـ وأنهما موجودتان ولا تفنيان، وأن الله تعالى خلقهما قبل الخلق، وخلق لهما أهلا، فمن شاء الله عز وجل أدخله الجنة فضلا منه، ومن شاء أدخله النار عدلا منه، وما أعده الله عز وجل لأهل الجنة من نعيم، وما أعده لأهل النار من عذاب ـ، يدخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أصل وركن من أصول وأركان الإيمان.. والإيمان بالجنة والنار ـ أيضا ـ فرع من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا آمنا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، صدقنا بكل ما جاءنا به من عند الله من أخبار وأوامر ونواهي، ومما أخبرنا به وحدثنا عنه الجنة والنار وما فيهما من نعيم أو عذاب، وأحوال أهل كل واحدة منهما، وقد قال الله تعالى عن نبيه: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}(النجم:4:3). قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.. ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}(النساء:113)، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى".
والإيمان بالجنة والنار، وما أعده الله للمؤمنين في الجنة من الكرامة والنعيم، وما أعد الله عز وجل للكفار والعصاة في النار من الشقاء والعذاب، يحث المسلم ويدفعه إلى السعي للنجاة من النار، والمسارعة بالطاعات للفوز بالجنة، قال الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}(آل عمران:133). وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخاري

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة