حدث في مثل هذا الأسبوع ( 5 - 11 جمادى الآخرة)

0 325

وفاة الدكتور عبد الرحمن الحجي عاشق الأندلس 5 جمادى الآخرة 1442 هـ(2021م)
يعد الدكتور عبد الرحمن الحجي أحد الركائز الأساسية المعاصرة في دراسات التاريخ الأندلسي، لأنه كتب كتبا كثيرة متنوعة عنه، فقد أحب الأندلس كما لم يحبها أحد، وشغلت حضارتها  فكره، حتى صار مشروع حياته الطواف حول الأندلس وتراثها ومعالمها وآثارها وتاريخها، فالتاريخ الأندلسي إذا ذكر، ذكر معه الدكتور عبد الرحمن الحجي.

نال الدكتور عبد الرحمن الحجي مكانة كبيرة من خلال مسيرة علمية حافلة، وحضور علمي وأكاديمي متميز في العديد من الأقطار العربية والأجنبية، ونتاج ثقافي واسع التأثير والانتشار في جميع حقول التاريخ الإسلامي عامة والأندلسي والسيرة النبوية خاصة، فضلا عن الثقافة الإسلامية.

كان رحمه الله عارفا بزمانه، واسع الاطلاع على أخبار الأندلس، خبيرا بآثارها، منفقا وقته في البحث والاستزادة من المعرفة، دمث الخلق، حسن المعشر، سليم الصدر، كثير التودد، بشوش اللقيا، صادق اللهجة، بحاثة خبر مسالك البحث جميعها من: التأليف، والتحقيق، وما شاكلهما، محاضرا ماهرا يحسن مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وحسب طبقاتهم.

نشأته ودراسته
ولد عبد الرحمن علي الحجي المهداوي في 1 ديسمبر عام 1935م، في مركز مدينة شهربان -قضاء المقدادية حاليا- بمحافظة ديالى شرقي العراق، ونشأ في عائلة زراعية بسيطة، وكانت حياته لا تخلو من الكفاح، وكان يعمل نهارا مع والده في الزراعة ويدرس ليلا.

وبدأ دراسته الأولى بالكتاتيب، ثم أكمل دراسته الابتدائية في شهربان، ثم حصل على دبلوم المعلمين في خمسينات القرن الماضي وعين معلما.

- حصل على الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة.

- حصل على دبلومة عامة في التربية وعلم النفس من (معهد التربية العالي) (جامعة عين شمس، مصر).

- قام بدراسات عليا لمدة سنة في تخصص الساميات بكلية الفلسفة والآداب، جامعة مدريد، وهي شهادة الماجستير، وقد نالها في سنة تحضيرية دون كتابة رسالة؛ لأن نظام الدراسة يعطي للمشرف الحق في تزكية الطالب إذا رآه مجدا ومجتهدا في الانتقال بعد عام من تسجيله إلى مرحلة الدكتوراه.

- حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة كمبردج في بريطانيا عام 1966م، وكانت أطروحته بعنوان: (العلاقات الدبلوماسية الأندلسية مع أوروبا الغربية خلال المدة الأموية).

- نال درجة الأستاذية من جامعة بغداد عام 1979م.

حياته العملية
- عام 1966م - 1967م عمل أستاذا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة بغداد.
- عام 1967م - 1970م عمل أستاذا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة الرياض (جامعة الملك سعود).
- عام 1970م - 1977م عاد أستاذا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة بغداد.
- عام 1977م - 1985م عمل أستاذا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة الإمارات.
- عام 1985م – 1988م عمل أستاذا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة الكويت.
- عام 1997م – 1998م عمل أستاذا زائر بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة صنعاء، اليمن.
- ومن عام 1998م حتى وفاته يرحمه الله، كان أستاذا زائرا في العديد من الجامعات والمعاهد وإعداد بحوث وتقديم دورات في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والأندلسي.
- اهتم بتقديم الدورات والمحاضرات لغير المتخصصين في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والتاريخ الأندلسي.
- كان له خبرة كبيرة في الاشتغال بالمخطوطات العربيــة في عدد من الدول العربيــة والإسلامية والأوروبية.
- اهتم اهتماما كبيرا بالجانب الفني والتنظيمي في إعداد مناهج التدريس واللوائح العامة والخاصة، وإعداد المناهج الدراسية للمراحل الثانوية والجامعية عامة، ومناهج التاريخ والحضارة خاصة في بعض الدول الخليجية.

- آثر في أخريات حياته أن يعيش في مهجره "مدريد" الأندلسية بجوار آثار الحضارة الإسلامية ومعالمها الباقية، واختار لنفسه عزلة علمية لتأليف الكتب وتحقيقها وزيارة الآثار الأندلسية؛ واسترجاع عبق الذكريات الحضارية للمسلمين في هذا البلد الذي انطلقت منه الحضارة.

من كلماته
- كان الفتح الإسلامي للأندلس فتح حضارة وإنسانية ودعوة، جعل إسبانيا - فيما بعد - منارة حضارة وأرض شروق للعلم والإنسانية.

- ليست الحضارة الإسلامية إلا إحدى الثمرات التي أنتجها الإسلام. لكنها ليست أهمها، فصياغة الإنسان هي الأساس الأكبر الذي يحقق بعد ذلك كافة الأهداف والمنجزات. الإسلام الدعوة الحقيقية الوحيدة الـتي تعني بالإنسان أولا، وقبل كل شيء، ثم تطلقه في الحياة ليبنيها ويعليها وينيرها.

- حاول أعداء التاريخ الإسلامي أن يهونوا من شأن هذا التاريخ ويعظموا تاريخ العرب في الجاهلية، وكذلك تاريخ الأمم الأخرى، ليبدو أمامها التاريخ الإسلامي شيئا لا يذكر. من هنا جاء الاهتمام بالتاريخ الأوربي، ففصل في تدريسه بشكل يفوق أحيانا التفصيل الذي يتعلق بتاريخنا الإسلامي.

- منذ نحو نصف قرن وإسبانيا لا تكاد تتخلف عن كونها أول بلد سياحي في العالم،كل ذلك بسبب الآثار الإسلامية, ومن أولها المسجد الجامع القرطبي. مما يثير التعجب كثرة الزائرين على مدار العام, ومن عجب وأسف أنك تجد أقل الزائرين والمحتفين به هم المسلمون, وأقلهم العرب! -

- بذل العلماء المسلمون أقصى درجات الدقة والإخلاص. حينما حضرت البيروني الوفاة، جاء أحد عواده لزيارته ودار الحديث حول مسألة ميراث معقدة، طلب البيروني من زائره أن يوضحها فقال الزائر: في أي حال أنت وتسأل عن هذا؟ قال البيروني: لئن أذهب إلى الله وأنا أعرفها خير من أذهب إليه وأنا أجهلها.

- كانت الأسر الأندلسية محاضن علمية لأفرادها، وبهذا نتجت ظاهرة ملموسة، أن الأسرة تورث أبناءها علمهم وتخصصهم، لدينا مثلا: بنو زهر في الطب وبنو جحاف في القضاء وبنو رشد في الفقه، وبنو حزم في الفقه والأدب وبنو عطية في التفسير والحديث والفقه والأدب.

- اعتمدت محاكم التفتيش ما نسميه اليوم سياسة تجفيف المنابع، لاسيما خلال الأعوام التي تلت السقوط مباشرة. قامت سلطاتها بجمع أكثر من مليون مخطوط خلال الفترة ١٤٩٢-١٤٩٩م ثم حرق هذا الكنز المعرفي دفعة واحدة في ميدان عام في غرناطة.

- من أساليب المستشرقين هو منهج "العكس"، أي أن تعكس الحقيقة التاريخية، من ذلك شبهة انتشار الإسلام بالسيف، لا يوجد ولا حتى شاهد واحد أن أجبر أحد على الدخول في الإسلام. وصحة ذلك هو العكس تماما، فالناس أخرجوا من الإسلام بالسيف ومحاكم التفتيش مثال في هذا.

- لولا الإسلام لما قامت الأندلس ولولا الأندلس لما قامت الحضارة الغربية الحديثة.

- مازلنا نقدم ماجلان البرتغالي وفاسكو ديغاما على أنهما مكتشفان جغرافيان، ولو سمع أحدهما بهذا الوصف لاستلقى على قفاه من الضحك على هذا الوهم، إذ لم يكونا سوى محاربين صليبيين لملاحقة المسلمين في كل مكان"

- أزعم أن معرفة التاريخ الإسلامي من أكبر الروافد في فهم الإسلام نفسه، قرآنا وسنة وسيرة، لأنه هو التطبيق العملي للإسلام.

- انتشر الإسلام في جنوب فرنسا خلال عهد الولاة في الأندلس وقامت لهم سلطة قاعدتها مدينة نربون، اتبعت طرقا رائعة في الدعوة، قيل إن أكثر من ٢٠٠٠ دخلوا الإسلام على يد عقبة السلولي، وأصدر في عام ١٩٦٥م مدير متاحف المدينة كتابا بالفرنسية يقول فيه أنه ما يزال حتى اليوم بقايا سور المسجد هناك.

- ظنت محاكم التفتيش أنها انتهت من الإسلام في أرض الأندلس ، إلا أن جذوره عميقة في تلك الأرض حتى اليوم. نجد آثاره بادية، فكرية واجتماعية ومعمارية ولغوية. قال مؤرخ إسباني: لو حككنا جلودنا لوجدنا الإسلام تحتها ولو أزلنا ظواهر جدران بيوتنا لرأينا الإسلام تحتها.

مؤلفاته

عرف الدكتور عبد الرحمن الحجي بجهوده الكبيرة في حقل الدراسات التاريخية الأندلسية، فألف وحقق وترجم الكثير من الأعمال التي أصبحت فيما بعد مرجعا هاما للعديد من الباحثين في الدراسات الأندلسية.
ترك الدكتور عبد الرحمن الحجي أكثر من عشرين مؤلفا، جلها عن الأندلس وتاريخها ورجالاتها وآدابها وآثارها وفنونها، وهذه قائمة بمؤلفاته:

1- التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة- طباعة دار القلـم، دمشــق.1976م، وهو من أهم مؤلفاته، تطرق فيه إلى النواحي الحضارية في كل مراحل وعصور تلك الحقبة التاريخية، بما يعطي فكرة عامة عن التاريخ الأندلسي.

2- نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي، دار الإرشاد، بيروت، 1969م.

3- تاريخ الموسيقى الأندلسية: أصولها، تطورها، أثرها على الموسيقى الأوربية، بيروت، 1969م.

4- مع الأندلس لقاء ودعاء، بيروت، 1980م. (رواية لزيارة الأندلس بصحبة مجموعة من طالبات جامعة الإمارات العربية المتحدة إلى الآثار الأندلسية).

5- ابن زيدون- السفير الوسيط، الكويت، 1987.

6- (العلاقات الدبلوماسية الأندلسية مع أوروبا الغربية خلال المدة الأموية)، رسالة الدكتوراه الخاصة به، طبع 1424هـ = 2003م، المجمع الثقافي- أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة.

7- هجرة علماء الأندلس لدى سقوط غرناطة (ظروفها وآثارها)، 1424هـ = 2003م، المجمع الثقافي – أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة.

8- السيرة النبوية: منهجية دراستها واستعراض أحداثها، دار ابن كثير. بيروت، 1999م.

9- الحضارة الإسلاميـة في الأندلـس: أسسها، ميادينها، تأثيرها على الحضارة الأوربية، دار الإرشاد بيـروت، 1969م.

10- الإشارات والبشارات النبوية، دار القلم 2019م.

11- جوانب من الحضارة الإسلامية، طبع ببيروت، سنة: 1979م.

12- أضواء على الحضارة والتراث، طبع بالكويت، سنة: 1987م.

13- تاريخنا من يكتبه؟ نشرته مكتبة دار الفضيلة بالقاهرة، سنة: 1997م.

14- دراسة الظاهرة العلمية في المجتمع الأندلسي (هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، المجمع الثقافي، 2007م).

15- التاريخ الإسلامي شبهات وحقائق، المكتبة العامرية، طبع بالكويت، سنة:2009م.

16- أندلسيات (مجموعتان) – مجموعة بحوث أندلسية، طبع دار الإرشاد ببيروت، سنة: 1969م.

17- محاكم التفتيش الغاشمة وأساليبها، طبع مكتبة المنار بالكويت، سنة: 1987م.

18- الكتب والمكتبات في الأندلس، طبع بالمجمع الثقافي: أبو ظبي، سنة: 1428هـ/2007م.

19- تأمل واعتبار، قراءات في حكايات أندلسية، من منشورات وزارة الأوقاف بالكويتية 2008م.

20- شعر العلماء في الأندلس، دار القلم 2015م.

21- المظلومون في تاريخنا، الكويت 2012م.

22- دولة المدينة المنورة، الإسلام والدولة المعاصرة، دار القلم 2018م. 

وفاته
بعد مسيرة علمية رائدة أمضاها في خدمة التاريخ الإسلامي عامة، والأندلسي خاصة، توفي الدكتور عبد الرحمن الحجي رحمه الله بأزمة قلبية يوم الإثنين 5 جمادى الآخرة1442، الموافق 18 يناير 2021 بمدريد، عن عمر يناهز ستة وثمانين عاما، ودفن بالمقبرة الإسلامية بعد أن صلي عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر بمسجد الجمعية الإسلامية بمدريد، تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته، وجعل الفردوس الأعلى مثواه.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة