على قدر النوايا تكون العطايا

0 615

النوايا الطيبة مفتاح الخير في هذه الحياة، وبوابة التوفيق والرزق، وهي من العبادات الخفية، فكلما كان داخل الإنسان نقيا ابتسمت له الدروب، ولانت له الخطوب، ومالت إليه القلوب.
ابدأ يومك دائما بمفتاحين: الأول النية الطيبة؛ فهي مفتاح الرزق، والثاني الكلمة الطيبة؛ فهي مفتاح القلوب.
وعلينا بإحسان نوايانا وإصلاح مقاصدنا، وهذه هي البداية؛ لأن صفاء النية ونقاء السريرة وحسن الظن مفتاح لكثير من كنوز الدنيا والآخرة.
. النية سر العبودية وروحها:
فهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد؛ لأنها من أعمال القلوب، وأعمال القلوب أنفع وأنجع الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)(متفق عليه)، فهي ملاك الأعمال، وعليها يكون القبول والرد، والثواب والعقاب.

. الإنسان يبلغ بنيته مالا يبلغ بعمله:
فقد يعجز المرء عن عمل الخير الذي يصبو إليه لرقة حاله، أو ضعف صحته، أو قلة حيلته، لكن الله المطلع على خبايا النفوس يرفع أصحاب النوايا الصادقة إلى ما تمنوه، لأن طيب مقصدهم أرجح لديه من عجز وسائلهم.
فما أعظم النية! فإنك تستطيع بنيتك الصادقة وعمل قلبك الخالص أن تلحق بأجر المحسن العظيم، وإن لم يكن لديك مال تتصدق به، ففي حديث أبي كبشة الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء)[رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)[رواه مسلم]، فكل من صدق الله صدقه الله جل في علاه.

على قدر النوايا تكون العطايا
- نظافة قلبك، وسلامة صدرك، ونيتك الصافية، هي مفتاح التيسير والمنح والفتوحات في هذه الحياة.
- ولا يغلق باب على العبد فيصدق في نيته ويحسن الظن بربه إلا ويفتح الله له أبوابا أوسع وأرحب يقول سبحانه: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم}[الأنفال:70].
- أصلح ما في قلبك؛ ينزل الله عليك السكينة، ويفتح لك الأبواب ويحميك، مهما ظهر الأمر بخلاف ذلك، يقول الحق سبحانه: {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) ومغانم كثيرة يأخذونها}[الفتح:18، 19].

النية الصالحة تفتح أبواب الخير والتوفيق والمعونة:
- من أوجد نية الخير في قلبه أعانه الله على عمله، وفتح له من أبواب التوفيق والتيسير على قدر نيته، يقول سبحانه: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم}[الأنفال:23].
- والله لا يضيع صدق النوايا ولو خفيت عن عباده، فأرح قلبك مهما أسيئت بك الظنون، وإياك أن تدخل في نوايا الناس فلا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب، يقول الله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم ۚ إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}[الإسراء:25].
- كتب سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز-رحمهم الله جميعا- في بداية خلافته: "فإن نويت الحق وأردته أعانك الله عليه، وأتاح لك عمالا، وأتاك بهم من حيث لا تحتسب، فإن عون الله على قدر النية؛ فمن تمت نيته في الخير تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر من العون بقدر ما قصر منه" أخرجه أحمد في كتاب الزهد.

سر صلاحك في صلاح سرك، وباب جنتك في طهارة قلبك:
إن سر صلاحك يكمن في إصلاح سرك، فضع نية الخير في قلبك وسيتولى الله أمرك، وكم من أبواب عظيمة فتحت بمفتاح النية الطيبة، وكم من شخص رزق بنيته الطيبة أكثر مما يتوقع، وعلى قدر نياتكم ترزقون.
لو يعلم المــرء عن تدبير خالقه .. .. له لـما ناح حزنا أو شــكا ألـما
خرق السفينة كان الشر ظاهره .. .. والخير فيه فسبحان الذي حكما

فهما في الوزر سواء
. والنية الصالحة كما تزيد صاحبها خيرا فإن النية السيئة تزيد صاحبها سوءا يقول تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}[البقرة:9].
فكما أن النية الطيبة قد تبلغك منازل المتصدقين، فإن النية السيئة قد تبلغك منازل الخاسرين، ففي بقية حديث أبي كبشة المتقدم يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء).
وفي قصة أصحاب الجنة الذين أضمروا النية بحرمان المساكين فعاقبهم الله، فتحولت بساتينهم إلى سواد وجناتهم إلى رماد يقول سبحانه: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم}[القلم:17ـ20].
اللهم أصلح لنا النيات، وحقق لنا الأمنيات، وبلغنا الغايات في أعلى الجنات.
اللهم أصلح نوايانا، وأكرم عطايانا، واجعلنا من عبادك المحسنين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة