التفسير الإشاري (1)

0 643

تعريفه: يعرف التفسير الإشاري بأنه التفسير الصوفي للقرآن، وسمي بالإشاري نسبة لمصطلح الإشارة الذي يعد عند الصوفية ملاذا في التعبير عن مشاهدات القلوب ومكاشفاتها، وقد عرف الآلوسي تلك الإشارات بأنها "معارف سبحانية تنكشف من سجف العبارات للسالكين، وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين"، وبالتالي كان للقرآن عندهم باطن وظاهر، فالظاهر هو الشريعة، والباطن هو الحقيقة، والتفسير الإشاري يعنى ببيان ذلك الباطن، وعليه عرفوا التفسير الإشاري بناء على هذا الفهم.
 
ومن ذلك تعريف الإمام الماتريدي له بأنه: "تأويل القرآن على خلاف ظاهره لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نور الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم، وانقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني، مع إمكان الجمع بينها وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة"، على أن البعض قد فرق بين التفسير الصوفي للقرآن والتفسير الإشاري، بأن الصوفي يرى أن تفسيره هو كل ما تحمله الآية من معان وليس وراءه شيء آخر، وأما التفسير الإشاري فهو جزء من معاني الآية، وهناك معان أخرى تحتملها الآية أيضا.
 
مؤلفات ونماذج: وقد كتبت في التفسير الإشاري عدة تفاسير، كان من أبرزها تفسير القرآن العظيم لسهل بن عبد الله التستري، وحقائق التفسير لأبي عبد الرحمن السلمي، ولطائف الإشارات للقشيري، وتفسير القرآن المنسوب لابن عربي الذي يعد أهم التفاسير بالإشارة بعد تفسير القشيري، وهذه نماذج من تفسير بعض الآيات بالإشارة يتضح بها المراد من هذه النوع من التفسير أكثر.
 
قال التستري في تفسير قوله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين (80) والذي يميتني ثم يحيين (81)} [الشعراء: 80، 81]: "يعنى إذا تحركت بغيره لغيره عصمني، وإذا ملت إلى شهوة من الدنيا منعها عني، وقوله: (والذي يميتني ثم يحيين) أي الذي يميتني بالغفلة ثم يحيينى بالذكر". وفي تفسير قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9] قال: "ظاهرهما ما عليه من أهل التفسير، وباطنها هو الروح والعقل، والقلب والطبع، والهوى والشهوة، فإن بغى الطبع والهوى والشهوة على القلب والعقل والروح؛ فليتقاتل العبد بسيوف المراقبة، وسهام المطالعة، وأنوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبا، والهوى والشهوة مغلوبا".
 
أدلة التفسير الإشاري: استدل أرباب هذا التفسير على مذهبهم فيه بأدلة من المأثور قرآنا وسنة، وأقوال الصحابة، فمن أدلتهم عليه من القرآن الآيات العامة التي تدعو لفهم كتاب الله تعالى بالتأمل وحسن الاستماع، ومنها قوله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: 78]، وقوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82]، وقوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24]، فقالوا في هذه الآيات إشارة إلى أن للقرآن ظاهرا وباطنا؛ لأن الله إذ نعى على الكفار أنهم لا يفقهون القرآن، وحضهم على تدبره لم يرد منهم فهم ظاهره لأنهم عرب والقرآن نزل بلغتهم وهم يفهمون منه ذلك، وإنما أراد منهم فهم مراده ومقصوده من هذا الخطاب، وذلك هو الباطن الذي جهلوه، ولم تصل إليه عقولهم.
 
وأما استدلالهم من السنة فإنهم يذكرون حديثا نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا"، وهذا القول لا يصح مرفوعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه كما رواه الطبري في معجمه، ومثله قول: "القرآن تحت العرش، له ظهر وبطن يحاج العباد" فهو موقوف على عبد الرحمن بن عوف وليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا هذه الأحاديث تدل على أن للقرآن ظاهرا وباطنا، ثم اختلفوا في تفسير الظاهر والباطن.
 
وأما استدلالهم على التفسير الإشاري من أقوال الصحابة فمن أشهر ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه: "إن القرآن ذو شجون وفنون، وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته، فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف هوى، أخبار وأمثال، وحلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل، فجالسوا به العلماء، وجانبوا به السفهاء"، وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوها".
 
ويذكرون أنه قد ورد عن الصحابة أنفسهم أنهم فسروا القرآن تفسيرا إشاريا، ومن أشهر ذلك ما كان يفعله عمر رضي الله عنه من إدخال عبد الله بن عباس مع أشياخ بدر، حتى إذا ما وجد بعضهم في نفسه شيئا من ذلك قال لهم عمر: إنه من قد علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، وسألهم عن قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1]؛ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا؛ فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له {إذا جاء نصر الله والفتح} {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر: 3]، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول. رواه البخاري. ففهم ابن عباس وعمر من الآية معنى باطنا دلت عليه السورة بطريق الإشارة، بينما لم يفهم بعض الصحابة الأخرون إلا ظاهرها. 
 
ومثل ذلك أن عمر رضي الله عنه لـما نزل قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام} [المائدة: 3] بكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص! فقال: صدقت. ففهم رضي الله عنه أن الآية قد أشارت إلى نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم.
 
كانت هذه أبرز ما استدل به القوم على وجود التفسير الإشاري في القرآن والسنة، وعند بعض أصحاب رسول الله رضي الله عنهم أجمعين.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة